لم تجد «جمعية الأدب والثقافة» في صيدا أفضل من تنظيم أمسية «الحكواتي»، لإحياء أنشطتها في البلدة القديمة. في حضن «خان صاصي» المعاد ترميمه، جددت الجمعية طقوس ليالي الحارات القديمة الشتوية، عندما كان الناس يتحلقون حول الحكواتي في المقاهي. تحت شعار «سهرة في حضن التاريخ»، لبى حوالى 200 شخص دعوة الجمعية ليل السبت الفائت إلى أمسية في القاعة المقنطرة ذات الجدران الرملية. استمعوا إلى الحكواتي الفلسطيني علي العراقي يروي سيرة «الملك الظاهر بيبرس المملوكي البندقداري» أو السيرة الظاهرية الشعبية التي تتداخل فيها الأحداث الحقيقية بالملحمية والخيالية. في كلمتها الترحيبية باسم الجمعية، قالت نيفين حشيشو إن الهدف من اختيار «الحكواتي» كمرتكز للنشاط يعود إلى «الحاجة للقراءة واستعادة التاريخ المروي في ظلّ الكارثة التي يواجهها جيل اليوم الذي لا يقرأ ولا يدوّن، فيما الذاكرة إمّا ضاعت وتلاشت أو تحولت إلى مادة جدلية إشكالية بسبب الخلاف على وجهة تأريخ الأحداث». واعتبرت حشيشو بأن «السيرة الظاهرية تليق بالمكان الذي يزيد عمره عن 300 عام ويشير إلى تاريخ صيدا القديمة في التاريخ والحاضر من تعاقب الحضارات إلى دحر العدو الإسرائيلي». مقاهي صيدا القديمة عرّفت الناس إلى الحكايا والدمى المتحركة. أول حكواتي في المدينة كان محمد الشقلي الحلبي الذي وفد إليها عام 1837. تأثر به أفراد من آل السروجي. اكتسب عبد الرحمن وإبراهيم الموهبة حتى تبدلت كنيتهما من السروجي إلى الحكواتي التي صارت لاحقاً اسم شهرة مدرج في سجلات القيد، فيما العروض كانت متنوعة في مقاهي باب السراي وضهر المير والمصلبية. «كراكوز وعيواظ» (الدمى المتحركة) وخيال الظل حيث يتحرك الأشخاص أو الدمى خلف شرشف أبيض... ومن الحكواتيين الذين ذاع صيتهم أبو أسعد الذي عُرف بحكواتي الحية ومحمد المياسة والفلسطيني النجمي. الأخير قدم عروضه في مقهى البابا في ساحة ضهر المير. كانت له طريقة خاصة في السرد. يجلس فوق طاولتين ويقرأ من «ألف ليلة وليلة».
ذلك الحكواتي الذي كان جزءاً من أمسيات مقاهي صيدا القديمة، لكن خان صاصي الذي شيده آل حمود مطلع القرن السابع عشر كمنزل خاص واسطبل للخيول ومستودع للمونة، لم يكن مفتوحاً للعموم. حتى بعد انتقال ملكيته إلى آل صاصي، بقي استخدامه خاصاً، إلى أن تحول إلى مستودع للفحم خلال فترة الحرب الأهلية. وقبل ثماني سنوات، قرر المالك الوريث أندريه صاصي ترميمه ليتحول إلى مركز ثقافي. خلال أمسية «جمعية الأدب والثقافة»، بشر الحضور بأن الدخول إلى الخان سيصبح متاحاً للعموم منذ مطلع العام المقبل بعد إنجاز ورشة الترميم والتجهيز.