«إليهم: أولئك الذين ظلّوا مثابرين على وظيفةِ الحياة حتى فجرِ أربعائهم الأخير ــ 25/7/2018»

ها: الأمواتُ أنهوا ما تَـوَجّبَ عليهم مِن ضرائبِ الحيــاة، وماتوا...
بكوا، وماتوا.
ثمّ ها : الأمواتُ ما عادوا يتألّمون ويبكون.
قبلَ لُـحَـيظاتٍ مِن نهاياتِ أعمارهم، إذْ كانوا لا يزالون بكاملِ حياتِهم وكاملِ آلامِهم وكاملِ خوفِهم، كانوا يتألّمون ويبكون (كانَ لا يزالُ بوسعهم أنْ يتألّموا ويخافوا ويبكوا). وكانوا يستغيثون.
بكوا كثيراً. توسّلوا كثيراً. حلموا وأمِلوا (أمِلوا كما يفعلُ جميعُ اليائسين). وتألّموا.. تألّموا كثيراً وكثيراً. ويئِسوا كثيراً وكثيراً (يئسوا كما يحصلُ لجميعِ المصابين بداءِ الأمل). وتألّموا.. تألّموا أكثر وأكثرَ ممّا ترتَضيهِ الآلامُ وما تَستوجِبه. تألّموا نيابةً عن جنسٍ بشريٍّ بكامله، وزمانٍ غيرِ بشريٍّ بكامله.
تألّموا، وبكوا، واسترحموا، وأمِلوا، و... وقعوا في الموت: وقعوا مُستغيثين.
الآنَ ما عادوا قادرين على البكاء (أصلاً، ما عادوا في حاجةٍ لأنْ يبكوا)، ولا على التأَلُّـمِ، ولا التوسُّلِ، ولا الأملِ، ولا الجنونِ، ولا الوقوعِ في خيبةِ المُستَرحِمِ وطالِبِ الغوث.
الأمواتُ صاروا أمواتاً... أمواتاً كاملين.
أبداً؛ هم الذي بكوا حياةً كاملة، لم يعودوا قادرينَ على البكاءِ.. ولا في حاجةٍ إلى معونتِه.
الأمواتُ بكوا (بكت أصابعُهم، وعظامُهم، وصَنادِلهم، وأثوابُ نومِهم). وتألّموا، واستجاروا، وخُذِلوا، وشهقوا، و ماتوا...
ماتوا حياةً كاملة. ماتوا طويلاً وطويلاً. ماتوا الأبديّةَ بكاملِها.
ماتوا ما هو أطولُ مِن «أبديّةٍ»، وأَشَـقُّ مِن مُلاقاتِها.
ماتوا بأعينٍ ناشفةٍ، مُـتَـوَعِّدةٍ، وعاجزةٍ عن الصفح...
أَعينٍ يَــبَّـسَها انكسارُ الأزمنةِ
ونَـشَّـفَتْ أحداقَها استحالةُ الرحمةِ، ونفادُ مُـدَّخراتِ القلوبِ مِنَ الدموعِ والأحلام.
28/7/2018