الإضافات التي يمكن وضعها في إطار الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي، عموماً، تتضمّن بلا شك التحوّل الذي أصاب رخام ضريح «تاج محل» الواقع في شمال الهند. فالبناء التاريخي الذي شيّده الإمبراطور شاه جهان في القرن السابع عشر كضريح لزوجته ممتاز محل، استبدل لونه الأبيض نهاية التسعينيات بالاصفرار. أخيراً، بدأ لونه يميل إلى الرمادي، بعد تعرّض رخامه للهواء الملوّث، في المدينة التي تأتي في الترتيب الثامن على قائمة المدن الأكثر تلوثاً في العالم. لكن مسببات هذا التحول لا يمكن حصرها في الضباب المشبع بالدخان الذي ينتشر في المنطقة؛ إذ إن الأمر يبدو أكثر تعقيداً من ذلك.
مسبّبات الاصفرار
عملياً، لا يمكن التنكر إلى حقيقة أن «تاج محل» هو نصب يبلغ من العمر 370 عاماً، لذلك ليس من المستغرب أن تحيط البناء بعض التشويهات مع مرور الزمن. في الثمانينيات، شكّل حجم انبعاثات «ثاني أكسيد الكبريت» الخصم الرئيسي للبناء الأثري المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي الإنساني، خصوصاً أن الرخام المستخدم في البناء مليء بالمعادن القابلة للتّأكسد مع مرور الوقت. وفق معطيات علمية، تؤدي الأكسدة إلى احمرار تلك المعادن. ونتيجة لهذا التفاعل المدفوع بحدة الأمطار، تظهر بقع حمراء ضاربة إلى اللون البني على الضريح، سرعان ما تتحول بفعل الرطوبة والغازات إلى صدأ. والأخير يعد المادة المسؤولة عن إحداث الشقوق والتفسّخات في جدران المبنى.
الإجراءات التي اتبعتها السلطات حتى الآن للحد من تلوث رخام المبنى لم تفلح (ماكدوف إيفيرتون - ناشونال جيوغرافيك)


«تخريب» مضاعف
مطلع الألفية الثالثة، حاولت الحكومة الهندية أن تصلح ألواح الرخام الصدئة تفادياً لتفاقم حدة الأزمة. لكن إجراءات الحكومة المتخذة حينها كانت قائمة على التخريب، حيث تم تثبيت قضبان حديدية في ألواح الرخام. إلا أن القضبان سرعان ما صدأت مع مرور الوقت، نتيجة تعرضها لأشعة الشمس وعوامل مناخية أخرى. وقد أدى ذلك إلى ظهور طبقة جديدة من الصدأ.

للسياحة دور أيضاً
أحد الأسباب المحتملة لهذا التحوّل، يتمثل في الأعداد الكبيرة من السياح الذين يجتذبهم «تاج محل» سنوياً. في عام 2013، مثلاً، تجاوز حجم الإقبال 6 ملايين شخص، فيما تشير الإحصاءات إلى أن الضريح يستقبل في بعض الأيام الاستثنائية أكثر من 50 ألف زائر. لا عجب في أن يترك مرور هذه الأعداد المخيفة من السياح آثاراً من التخريب. من جانبٍ آخر، فإن الجدران الداخلية للصرح الأثري لم تعد آمنة نظراً لاستضافته مثل هذا الحشد يومياً، الذي يتسبب في ارتفاع مستوى الرطوبة داخل المبنى، ممّا يؤدي إلى تعتيم تدريجي للجدران.

الإهمال البيئي
الأشجار يبدو أنها أكثر من دفع ثمن الحداثة في مدينة أغرا، التي تقع في منطقة شبه قاحلة، ويمكن أن تصل درجات الحرارة فيها إلى 50 درجة مئوية. ولأن الأشجار تساعد على توفر الظلال والحد من ارتفاع درجة حرارة الهواء المحيط، فإن قطعها أدى إلى ارتفاع نسبة تأثير الرياح الساخنة التي تصيب سهول شمال الهند على «تاج محل».
شكّل حجم انبعاثات «ثاني أكسيد الكبريت» الخصم الرئيسي للبناء الأثري (أ ف ب )

تلوث الهواء
وبطبيعة الحال، علينا ألا ننسى أن حرق النفايات، روث البقر، وغيرها من أشكال المخلفات الناتجة عن الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، جميعها يؤدي إلى تشكل غاز الميثان الذي يتصاعد في الهواء، ويتسبب في تلوثه.
ومن الآثار الناتجة عن هذا التلوث:
الأمطار الحمضية
الاحتباس الحراري
تلوث المياه
تلوث التربة
تهديد الغطاء النباتي
وما يبدو كارثياً هو أن النفايات التي لا يتم فرزها ولا فصلها، يتم التخلّص منها مباشرة في مياه الصرف الصحي، التي تستقر في نهياة المطاف في نهر «يامونا» الملوث. وفي هذا الإطار، يؤكد أحد المحامين البيئيين للمحكمة العليا في الهند أن الحشرات الدقيقة تزحف من «يامونا» الآخذ في الجفاف، إلى رخام «تاج محل»، الذي بات عرضةً للتلوث الناجم عن فضلات تلك الحشرات.

إجراءات بلا نتائج
أخيراً، وجهت المحكمة العليا في البلاد انتقاداً لاذعاً للحكومة لأنها لم تفعل ما يكفي للحفاظ على البناء الأثري، الذي شيّده الإمبراطور المغولي شاه جهان ضريحاً لزوجته. وقال ميهتا، أحد محامي المحكمة الذين يحاربون من أجل إنقاذ «تاج محل» من التلوث منذ 30 عاماً: «إذا لم يتمكن العلماء و(نشطاء البيئة) الهنود من عمل شيء، فيتوجب عليهم الاتصال بخبراء أو نشطاء أجانب لتقديم يد العون». علماً بأن الإجراءات التي اتبعتها السلطات، حتى الآن، للحد من تلوّث رخام المبنى، كاستخدام الطين لإزالة البقع البنية لم تفلح، تماماً كفشل محاولات خفض عدد زوار «تاج محل» للحد من التلف والتلوث اللذين يصيبان الموقع.