باريس | عن 74 عاماً، رحل شيخ المصورين الصحافيين الإيراني «عباس» (عباس عطار)، الذي وافته المنية في باريس، حيث كان يقيم ويعمل منذ ستينيات القرن الماضي. بدأ مصوراً حربياً لحساب وكالتي «سيبا» و«غاما»، اللتين غطى لهما حروب فيتنام و«بيافرا» (الحرب الأهلية في جنوب – شرق نيجيريا، من 1967 إلى 1970) وإيرلندا الشمالية. وعلى مدى ربع قرن، أشهر عدسته لمقارعة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
عباس في طهران عام 1979

لكن شهرة «عباس» ظلت مرتبطة ببلده الأصلي إيران. في مطلع السبعينيات، عاد للمرة الأولى إلى موطنه، الذي كان قد غادره في سن الثامنة، حين هاجرت عائلته من مسقط رأسه في «خاش»، واستقرت في الجزائر قبل اندلاع ثورتها التحريرية. انصبت أعماله الإيرانية، في البداية، على إعادة اكتشاف ثقافته الأصلية، إذ سرعان ما ارتبط بصلات وثيقة في الأوساط الفنية والثقافية الإيرانية. توسعت دائرة اهتماماته تدريجاً إلى الهم السياسي والاجتماعي، فأرّخ بصوره للسنوات الأخيرة من عهد الشاه، مبرزاً مظالمها وشططها. وكان يكنّ للشاه كراهية شديدة، شاجباً «أسلوبه المتعجرف في التصرف كأنه نصف إله». ثم كانت عدسته بمثابة «عين» الثورة الإسلامية التي تحمّس لها وواكب وقائعها، منذ التظاهرات الأولى ضد الشاه لغاية عودة الإمام الخميني الى البلاد، وقيام الجمهورية الإسلامية.
لكن حماسته للثورة لم تلبث أن خبت، مع أولى موجات القمع والتصفيات، عام 1980، فعاد إلى باريس وأصدر كتاباً مدوياً بعنوان «الثورة المصادرة». في العاصمة الفرنسية، التحق بوكالة «ماغنوم»، التي بقي وفياً لها لغاية وفاته. إلا أن المسافة النقدية التي اتخذها حيال «نظام الملالي» لم تمنعه من الاستمرار في العمل في موطنه الأصلي، إذ واكب بصوره أعمال فنانين كبار وإبداعاتهم، من عباس كياروستامي إلى أصغر فرهدي، مروراً بالفنانات منيحة حكمت وسميرة مخملباف وغولشيفته فرحاني. عام 2001، عاودته النوستالجيا الثورية، وتحمّس للموجة الإصلاحية التي أوصلت الرئيس محمد خاتمي إلى الحكم، فأرّخ بصوره للزخم الفكري والاجتماعي الذي اجتاح البلاد في السنوات الأولى من حكم الإصلاحيين. امتداداً لذلك، أصدر عام 2002 كتاباً شهيراً بعنوان «يوميات إيرانية» تضمن مختارات من أشهر الصور التي التقطها في موطنه الأصلي على مدى ثلاثة عقود (1971 ــ 2002). النجاح المنقطع النظير الذي حظي به ذلك الكتاب، دفع «عباس» إلى الابتعاد تدريجاً عن التصوير الصحافي ذي الطابع الإخباري. تفرغ في السنوات الأخيرة لأبحاث تصويرية أكثر عمقاً، من خلال مجموعة من الكتب التي خصص أغلبها للتأمل في تيمة التطرّف في مختلف الأديان. رحلة بدأها قبل اعتزاله العمل الصحافي، بكتاب حمل عنوان «الله أكبر، رحلة في الإسلام النضالي» (1994)، واستأنفها بـ «رحلة في عوالم المسيحية» (2000)، ثم طاولت عدسته التطرّف في الديانة اليهودية في «باسم من؟» (2009). وقبل عامين من رحيله، قدّم خلاصة أبحاثه في التطرّف، في كتابه – الوصية «الآلهة التي قابلتها»، الذي لم يقتصر على الديانات السماوية، بل شمل أيضاً الهندوسية والبوذية.
بالرغم من أن هذه التيمات الدينية استغرقت أغلب وقته وجهده، على مدى ربع قرن، إلا أنه كتب في مقدمة «باسم من»: «إن علاقتي بالله مهنية محض. لم تكن قط علاقة حميمة. ما يثير شغفي وفضولي ليس الله في ذاته، بل تصور الناس لله، وكل الأشياء غير المعقولة التي يمكن أن يقودهم الإيمان إلى القيام بها من أجل الله أو باسمه»!