لندن | يقف بضعة زوار أجانب بلا كلل ولا ملل أمام البوابة الخلفية لمقرّ bbc في وسط لندن. يعلمون أن الوقت مبكر لدخول «مهرجان بي. بي. سي. عربي للأفلام والوثائقيات» لكنهم يفضلّون الانتظار ولو لساعة كاملة في الخارج. أما في الداخل، فالأنظار مشدوهة نحو الشاشة العملاقة، التي وضعت في مسرح الإذاعة هناك. وجوه غير عربية، تنتظر مشاهدة إنتاجات شباب وشابات عرب، أفسح لهم المجال، للتعبير عن قضاياهم الملحّة والراهنة بعدساتهم عبر بوابة الشبكة البريطانية العريقة، على أن يحظى الرابحون/ ات، لا سيما الشباب، بدعم لمشاريعهم الجديدة، وبتدريب وتوجيه من قبل bbc.في الدورة الرابعة من المهرجان التي اختتمت قبل يومين، طغى لون الدم والحرب، توسطهما: الإنسان. شرائط تناولت الجماعات الإرهابية الدموية، أكان في سوريا أو العراق. كذلك، خصصّ حيّز للأزمة السورية، عبر إفراد نهار كامل لعرض خمسة أفلام تتوزع فئاتها بين الوثائقي الطويل، والقصير، والتقرير الصحافي. ولم تغب القضايا الحيوّية التي شغلت الشارع العربي أخيراً، وتنقلت بين بلدان عدّة من ضمنها: مصر التي تحدثت بعدسات شبابها عن الأساليب الوحشية للشرطة المصرية، والحواجز اليومية التي تعيق مصائر المواطنين، والمرأة ومواجهتها للمجتمع بعد الطلاق، لا سيّما في المناطق النائية. أكثر من 17 شريطاً، عرضت في المهرجان، الذي امتدّ على ستة أيام، وسط مشاركة من سوريا، والجزائر، وتونس، ومصر، وفلسطين، وبلدان غربية عدة. تخللت الحدث، طاولات نقاش تلت عرض كل فيلم، إذ فتح المجال أمام الجمهور الحاضر، لطرح أسئلته على صنّاع الأفلام. وللمرة الأولى، طرح على طاولة البحث، مستقبل الصحافة الرقمية، والتمظهر الجديد لها، والتفاعل العالي الذي تلقاه على الشبكة العنكبوتية، من شرائح عمرية مختلفة، مع منتجين رقميين ومراسلين، أكان في bbc، أو cnn.
إذاً، مروحة متنوعة شملت جوانب حياتية اجتماعية، سياسية، وإنسانية، خيّمت على مهرجان «بي.بي.سي. عربي للأفلام والوثائقيات»، مع تنافس أفلام تعرض للمرة الأولى، وأخرى عرضت أخيراً، تحت أعين لجنة تحكيم، تضم خبراء وإعلاميين/ ات مخضرمين/ات، وزعوا أحكامهم على هذه الشرائط، ومنحوا الجوائز للفائزين/ات عن ستّ فئات.
على مسرح الإذاعة في bbc، أعلن أول من أمس عن الفائزين بجوائز المهرجان السنوي. ستّ جوائز، وزعت عليهم، تبعاً للفئات المتنافس عليها. الحصة الأكبر كانت من نصيب سوريا. إذ حصد فيلم «يوم في حلب» (24 د ــ 2017) لعلي الإبراهيم فئة «الصحافي الشاب». فيلم صامت، يصوّر بكاميرا حيّة، وأخرى جوية متقدمة، جوانب الحياة المعيشية في مدينة حلب السورية. قصف عنيف، وجثث وضحايا بلا أسماء، وأصوات سيارات الإسعاف والإنقاذ، نشاهدها في فيلم الإبراهيم، من دون أن نرى بشكل علني أي طيف سياسي. 24 دقيقة صامتة، تتخللها موسيقى حزينة، تقرّب المشاهد/ة، من أفظع صور الحرب السورية، وأشدّها فتكاً. وعن فئة «أفضل وثائقي حواري»، حاز الجائزة الثلاثي أيوب القاسم، أحمد الذيابات، ومروان البياري عن عملهما «ليش؟ why?» (6 د). الشريط سرد لمعاناة لاجئين سوريين، يعملون في الأردن، ليعيلوا عوائلهم، مع بقاء حلمهم الأساس بدخول المدارس كباقي جيلهم.
على غلاف الملصق الخاص بالمهرجان، صورة لـ «هيكل»، بطل فيلم «ميّل يا غزّيل» (51 دقيقة)، للمخرجة اللبنانية إليان الراهب، التي حصدت بدورها جائزة «أفضل فيلم وثائقي طويل». تلاحق كاميرا الراهب هيكل الرجل الستيني في منطقة «الشمبوق» الواقعة في أعالي جرود منطقة عكار، والقريبة من الحدود السورية-اللبنانية. عبر لغة سينمائية توثيقية بسيطة، ترسم المخرجة اللبنانية، جملة معضلات تخيم على المنطقة جراء الأزمة السورية، وأخرى ما زالت راسخة منذ زمن الحرب الأهلية، الا وهي الحدود الديموغرافية والطائفية. عبر «هيكل» الرجل المتشبث بأرضه، والرافض لمنطق التقسيم، تطل الراهب على تلك المنطقة الوعرة والآسرة في آن، لتلتقط أحوال السكان، وتخرج ما في نفوسهم عن الآخر، أكان السوري أو «ابن البلد». الجوانب المتعددة لقضية اللجوء السوري تحطّ في فيلم «الصمت» للمخرجين الايرانيين فرنوش صمدي، وعلي أصغري. شريط نال جائزة «أفضل فيلم قصير». 14 دقيقة يحاكي فيها المخرجان معاناة لاجئتين كرديتين، تصلان الى إيطاليا، ويصعب على الطرفين فهم الآخر. الجائزتان الأخيرتان، كانتا من حصة المحروسة: الوثائقي الطويل «بلد مين؟» للمخرج محمد صيام الذي يصوّر ويوثق بعدسته أحوال الفساد والاهتراء داخل أجهزة الأمن المصرية. أما الجائزة الأخيرة، فقد حظي بها فيلم «المدينة التي هجرها الرجال» للمخرجة حنان يوسف عبد الله، عن فئة «أفضل وثائقي قصير». هنا، تأخذنا المخرجة المصرية، الى النوبة، وأسوان. تعرّفنا الى نساء، تركهنّ أزواجهنّ وسط كمّ هائل من المسؤوليات ومشاكل الانفصال وإعالة الأطفال. تروي عبد الله، التحديات التي تقع على عاتق النساء هناك، والأعباء الاجتماعية، التي تودي بهن الى عيش ظروف صعبة، لكنّهن يبرهن عن قوة جبارة رغم النظرة السلبية التي يرمقها بهنّ المجتمع.