صحيح أنّ «زغلول الدامور» (جوزيف الهاشم، مواليد البوشرية/ قضاء المتن - 1925 ـــ 2018) انطفأ أول من أمس في «مستشفى هارون» في الزلقا. لكنّ ردّياته و«مبارزاته» التلفزيونية بصوته القوي، وجدت طريقها إلى الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي. هنا على فايسبوك، يقع المتصفح على صفحة خاصة تُعنى بتوثيق أعمال أحد أبرز عمالقة الزجل اللبناني ممن «أوصلوا الزجل إلى غير عشّاقه» على حد تعبير الباحث والأكاديمي الياس خليل.
يعتبر «زغلول الدامور» أحد مؤسسي الجيل الثاني من شعراء الزجل في لبنان بعد شحرور الوادي ورشيد نخلة. والأهم أنّه كرّس هذا الفن الشعبي في المسرح والتلفزيون. فهو أول من غنى الزجل على التلفزيون منذ منتصف الستينات حتى أواخر السبعينات. ألف جوقته الأولى عام 1944 التي خرجت من عباءتها أسماء لامعة (خليل روكز، زين شعيب، جان رعد، أسعد سعيد، جوزيف الخويري، فرحان العريضي، طانيوس الحاج، موسى زغيب، كميل زيادة، إنطوان باسيل، كميل شلهوب، طليع حمدان، ادوار حرب، إلياس خليل، أديب محاسب، فايز المغربي، سمير عبدالنور...) وغنى في كل قرية ومدينة في لبنان، وقام بأكثر من 120 رحلة إلى بلاد الاغتراب، ففاقت شهرته جميع الشعراء، حتى لقب بسندباد الزجل اللبناني.
عن جدته التي لا تفك الحرف، لكنها تتقن النظم والغناء، ورث جوزيف الهاشم موهبة الشعر التي تجلّت عنده منذ التاسعة من عمره حين كان لا يزال تلميذاً في مدرسة جديدة المتن الكبرى التي كان يديرها الخوري الشاعر يوسف عون. حتى بات رفاقه يقولون: «هيدا الصبي ابن الداموري مزغلل، وعم يكتب شعر». ومن يومها لقِّب «زغلول الدامور» (أصله من الدامور). سيترك لاحقاً المدرسة ويتفرّغ لهذا الفنّ، وقد اعتبر لاحقاً أنّه طوّره مع جيله، فـ «الجيل الأول كان ينظم الردّية بسطرين، ونحن طورناها لتصبح 12 سطراً» (الأخبار 29/8/2011). لعلّ البعض يتذكر حفلة «التحدي الكبير» بين الزغلول وموسى زغيب (جوقة خليل روكز) في بيت مري عام 1971، أو مهرجان «عكاز الزجل في المدينة الرياضية» عام 1972. شارك أيضاً مرتين في «مهرجانات جرش» التي استضافت الزجل اللبناني للمرة الأولى عام 1978. واكب الزغلول ازدهار الحركة الزجلية منذ 1958. في هذا العام، أسّس مع صديقه ورفيق دربه زين شعيب المجلة الزجلية «المسرح» التي شهدت نجاحاً كبيراً، قبل أن تتوقّف عن الصدور في منتصف الثمانينات. كذلك أصدر العديد من الكتب أبرزها «خمسون سنة مع الشعر الزجلي» (1995)، و«عمر وسفر» (2005)، و«بين القلوب» (1948) و«المرج الأخضر» (1952) مع زين شعيب. حين رحل الأخير عام 2005، رثاه زغلول الدامور قائلاً «آخ يا بوعلي، اليوم انقص جناحي»، إذ اعتُبر الاثنان قطبي المسرح الزجلي اللبناني. لغاية رحيله، ظلّ الزجل عشق «زغلول الدامور» الذي اعتزل المنابر منذ عام 2010، لكنّه واظب على نظم الرديات في منزله الهادئ في بلونة.

* يحتفل بالصلاة لراحة نفسه عند الثالثة من بعد ظهر بعد اليوم الاثنين، في «كنيسة مار يوحنا المعمدان» (البوشرية). تقبل التعازي في صالة الكنيسة، يوم قبل الدفن وبعده، وغداً الثلاثاء من الحادية عشرة حتى السادسة مساء.