بعد عام واحد على ولادتها في عام 1956، أطلقت «مهرجانات بعلبك الدولية» لياليها اللبنانية، فاسحة المجال أمام كبار مثل الأخوين رحباني وتوفيق الباشا وزكي ناصيف وروميو لحود ووليد غلمية وفيلمون وهبي وفيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وعبد الحليم كركلا وغيرهم لإنتاج أهمّ أعمالهم التي لا تزال حيّة في ذاكرة اللبنانيين والعرب.
هذا العام، سيسلّم المشعل في افتتاح الدورة الـ 61 في السابع من تموز (يوليو) المقبل إلى رامي عيّاش وألين لحود وبريجيت ياغي، لاستعادة أشهر ألحان الماضي مع أجمل أغانيهم المعاصرة، في استعراض غنائي راقص ضخم يحمل توقيع جيرار أفيديسيان لناحية الإعداد والإخراج، مع أجمل العروض المرئية بتوقيع بابلو برغوت، والرقصات المميّزة التي صمّمها سامي خوري، فيما سيقود المايسترو إيلي العليا الفرقة الموسيقية.
في سنة 1957، كانت بداية «الليالي اللبنانية» مع عرضين خاصين بالفن الشعبي اللبناني من إخراج صبري الشريف بالتعاون مع نزار ميقاتي. يومها، اجتمعت فيروز بنصري شمس الدين في برنامج شارك في إعداده الأخوان رحباني مع زكي ناصيف وتوفيق الباشا، وكانت للرقص حصة كبيرة بإشراف ومشاركة مروان ووديعة جرار.
من هنا، ستتخلل «الليالي اللبنانية» في الذكرى الستين لانطلاقتها لوحات ساحرة مع أكثر من 30 راقصاً، بمرافقة مؤثرات خاصة مع إعادة توزيع بشكل عصري لمعظم الأغاني التي طبعت ذاكرتنا الموسيقية.
منذ البداية، كان الهدف إحياء العادات والتقاليد ونشر اللون المحلي البلدي الذي أسّس بطريقة ما لهوية الأغنية اللبنانية التي أتت بكلام منتظم، وأصبحت مقتضبة على عكس الأغنيات الطربية التي كانت تُعاد لساعات، فضلاً عن إحياء قصص ريفية ولوحات بلدية.
من هنا، كانت الملابس فولكلورية تعود إلى الزي القديم الذي كان يرتديه الفلاح اللبناني. وفي العمل الجديد، هناك بحث دقيق أيضاً عن الملابس والألوان، لكن بروح عصرية تضفي لمسة مختلفة وجديدة.
على غرار «الليالي اللبنانية»، تأسست فرق مؤلفة من الفنانين المشاركين فيها، وأصبحوا يتناوبون على الأعمال في «مدينة الشمس» بسبب بعض الانقسامات فيما بينهم، فأصبح من يريد إطلاق عمل راقٍ يقدّمه ضمن «الليالي اللبنانية». كانت «الفرقة الشعبية» التي أسّسها الأخوان رحباني مع مخرجهما المحبب صبري الشريف تقدّم الأعمال في سنوات معيّنة، لتقدّم فرقة «الأنوار للرقص الشعبي» بدورها أعمالاً في سنوات أخرى بعدما أطلقت عملها الأوّل من «كازينو لبنان»، وهو استعراض بعنوان «حكاية لبنان» (إخراج نزار ميقاتي) مع وديع الصافي. الموسيقى في هذا العمل أعدها زكي ناصيف وتوفيق الباشا. أما الكلمات، فكتبها يونس الابن وإميل رفول وزكي ناصيف، بينما صمّم الرقص مروان ووديعة جرار.
بين عامي 1957 و1974، قدّم الأخوان رحباني أشهر مسرحياتهما الغنائية، من بينها «موسم العز» مع صباح، التي هاجمتها الصحافة في حينه لكنّها تُعتبر اليوم من أجمل ما قُدّم. وهناك أيضاً «البعلبكية»، و«جسر القمر»، و«دواليب الهوا»، و«أيام فخر الدين»، و«جبال الصوان»، «ناطورة المفاتيح»، و«قصيدة حب».
في المقابل، أنجزت «فرقة الأنوار» مسرحيات «الشلال»، و«أرضنا إلى الأبد»، و«القلعة» التي تعثّر تقديمها بسبب نكسة الـ 1967، لتؤجّل حتى عام 1968. كما حاول روميو لحود خلق نجمة جديدة تُدعى «مجدلة»، أدّت بطولة مسرحية «الزمان» من تأليف نادية التويني. وفي عام 1974، كانت آخر العروض تحت اسم «تضلو بخير» مع صباح ووديع الصافي، قبل اندلاع الحرب الأهلية.
مع تأزّم الأوضاع الأمنية والسياسية، توقف نشاط «مهرجانات بعلبك الدولية» لمدّة 23 سنة، قبل أن تُستأنف بعد استقرار الأوضاع الأمنية في عام 1997 مع ابن بعلبك عبد الحليم كركلا وفرقته بعرض «الأندلس المجد الضائع». هكذا، أصبحنا أمام ليال عربية وشرقية في الوقت عينه، إذ أحيا نجوم عرب في بعض السنين هذه العروض، منهم وردة الجزائرية وميادة الحناوي وصابر الرباعي... وفي عام 1998، عادت فيروز إلى بعلبك التي غنّت لهياكلها العريقة «أنا شمعة على دراجك». عادت وحيدة مع منصور الرحباني في غياب عاصي، وقدّما مقتطفات من «جسر القمر» و«جبال الصوان» و«ناطورة المفاتيح». وفي 2006، حان موعد العرض الأوّل لـ «صح النوم» الذي تزامن مع الحرب الإسرائيلية على لبنان. توقفت الفعاليات مجدداً، لكن لجنة المهرجانات طلبت من فيروز إعادة العرض خارج أسوار القلعة نزولاً عند طلب الجمهور.
من جهتها، كان لفرقة كركلا نصيب وافر من العروض التي كان آخرها إحياء العيد الستين للمهرجان العام الماضي.
تأزّم الأوضاع في سوريا، أرخى بظلاله على الحدث الثقافي اللبناني العريق، ما أدى إلى نقل فعاليات المهرجان إلى بيروت في عام 2013، قبل أن توجّه اللجنة تحية إلى بعلبك في 2015 مع عرض «إلك يا بعلبك» الذي شارك فيه فنانون لبنانيون كثر من بينهم: عبد الرحمن الباشا، ومارسيل خليفة، وبشاره الخوري، وزاد ملتقى، وابراهيم معلوف، وناجي حكيم، وغدي الرحباني، وغبريال يارد، وهاروت فزليان، وفاديا طمب الحاج، ورفيق علي أحمد، وكارولين حاتم.
إذاً، في عيدها الستين، ترسم «الليالي اللبنانية» تاريخ بلد وشعب عشق هذه الأعمال، محاكية في الوقت نفسه الجيل الجديد، ومحاولة تذكيره بتراثه وتاريخه الموسيقي مع الرعيل الجديد. من هنا، ستغنّي ألين لحود إرثاً موسيقياً شاركت عائلتها في صناعته، وكذلك الحال بالنسبة إلى بريجيت ياغي. أما رامي عياش، فيعيد تقديم أغنيات جيل سبقه.

*«الليالي اللبنانية»: الجمعة 7 تموز ــ الساعة الثامنة مساءً ــ أدراج معبد باخوس (قلعة بعلبك).
للاستعلام: 01/999666