بينما كان رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، يرعى إطلاق المرحلة الأولى من مشروع «السياحة الثقافية الدينيّة»، خلال احتفال أقيم أخيراً في السرايا (وسط بيروت) تحت عنوان «احتفاءً بتنوّعنا»، كانت بلدة يانوح في قضاء جبيل تشهد ما يصفه كثيرون بأنّه «تشويه للتراث والتاريخ، المسيحي خصوصاً، واللبناني عموماً».
منذ شهرين، تستمر أعمال «الترميم» في مقرّ البطريركية المارونية الثاني في بلدة يانوح، الذي شُغل على مدى حوالي 120 عاماً، ليُترك نهائياً في عام 938 ميلادي ليتم الانتقال إلى ميفوق في القضاء نفسه. قد تبدو المسألة طبيعية، لا بل إيجابية وضرورية، لا سيّما أنّ هذا المعلم الديني التاريخي المهمّ بقي مهملاً منذ ذلك الحين وحتى زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إليه العام الماضي. غير أنّ بعض خبراء الترميم والآثار يدقون ناقوس الخطر، ويناشدون المعنيين، على رأسهم وزير الثقافة غطاس خوري بالتدخل فوراً لانقاذه! يطرح هؤلاء تساؤلات جوهرية حول المعايير المتبعة والآلية التي يجري على أساسها الترميم، فيما هناك من أكّد أن ما يحصل هو «تغيير لمعالم المكان»، معتبراً أنّه سلوك «غير مقبول ومهين»، ليذهب آخرون أبعد من ذلك واصفين إياه بالـ «جريمة»!
خلال زيارته التاريخية إلى جبّة المنيطرة في أيلول (سبتمبر) الماضي، قرّر «سيّد بكركي» ترميم «كنيسة السيّدة» (عقار رقم 480، ملك البطريركية المارونية)، مفوّضاً القاضي في محكمة الروتا في الفاتيكان، المونسنيور عبده يعقوب بتولّي هذه العملية، قبل أن يصدر رئيس بلدية يانوح، ملكان قزحيا البعيني، في 20 أيلول (سبتمبر) 2016 رخصة الترميم التي تحمل رقم 155، ثم تُسند المهام على الأرض إلى شقيق المونسنيور المهندس المعماري منير توفيق يعقوب (Bureau d'études et de Promotions).
المشكلة الأساسية التي يطرحها المعنيون في هذا الملف تتعلّق بأنّ الترميم يتم «عشوائياً من دون دراسة من قبل متخصصين في هذا المجال»، خصوصاً أنّ في المكان «آثاراً رومانية وبيزنطية لا شك أنّها مهدّدة، إن لم تكن قد دُمّرت أصلاً». وأكثر ما يثير الريبة هو استبعاد المديرية العامة للآثار عن هذا الملف، ناهيك عن «السرية» التي تحيط الموقع، في ظل الإصرار على إغلاقه أمام الاختصاصيين. يذكر أنّه إلى جانب المقر البطريركي إلى ناحية اليمين، يحتوي الموقع على معبد روماني وكنيسة ودير لجهة اليسار.