تطلّ الـ Big Band التابعة للكونسرفتوار الوطني، اليوم الإثنين، من «قصر الصنوبر» (المتحف ــ بيروت) لإحياء أمسية جاز ببرنامج غنيّ، عليه أكثر من عشرين مقطوعة من كلاسيكيات الريبرتوار العالمي. تأسست هذه الفرقة في عام 2009، وتتألف من 22 عازفاً (آلات نفخ، وبيانو، وإيقاعات). الفرقة ليست من طراز بعض الفرق الأميركية أو الأوروبية (كالـWDR الألمانية الرهيبة)، لكن وجودها ضروري في منطقة عربية تفتقر لهذا النوع من المجموعات الموسيقية، مع الملاحظة أنّها ليست الوحيدة في الشرق الأوسط كما يدّعي التعريف بها على موقع «المعهد العالي للموسيقى».
ففي سوريا مثلاً نجد «بيغ باند»، وهي أقدم من شقيقتها اللبنانية.
لغاية الآن، لا شيء لافتاً في الخبر. الفرقة الوطنية تقدّم حفلات دورية، شأنها شأن «الأوركسترا الوطنية» و«أوركسترا الموسيقى الشرق ــ عربية»، إذ يندرج ذلك ضمن «واجبها» المهني، تماماً كأي موظف رسمي في الدولة اللبنانية. غير أن حضور أمسيتها المرتقبة اليوم، بخلاف مواعيدها الاعتيادية، ليس مجانياً. فالموعد من تنظيم «المركز اللبناني للّعناية التلطيفية» (بلسَم) بهدف جمع التبرّعات من خلال ريع البطاقات. ما لفت انتباهنا هو هذه النقطة تحديداً. تغطية نشاطات «بلسم» والإضاءة على دورها الطبّي والاجتماعي والإنساني ليسا من اختصاصنا، وأمسيات الـ «بيغ باند» الوطنية ليست من النوع الذي يجب التوقف عنده بشكل منهجي. لكن اجتماع الجهتَين هو بيت القصيد الذي نبني عليه الفكرة التي نودّ تعميمها. فنادراً جداً ما نسمع بهذا النوع من الأنشطة في لبنان. عادةً، تدعو هذه الفئة من الجمعيات (وغيرها) إلى عشاء تتخلّله كلمات فارغة، وقد ينتهي بشتائم يكيلها المتبرّعون للقائمين على الجمعية، ربما بسبب سوء الخدمة التي يقدّمها المطعم! والعشاء يبقى بالتأكيد أفضل من الدعوة إلى حفلة تحييها نجمة من نجمات الزمن الرديء. إذ، كيف يمكن أن تصدّق نيات ناشطين في العمل الإنساني عندما ترى أنهم يسوّقون للأغنية التجارية السطحية ويمتطون جوادها في سباق تمويل جمعيّتهم؟ أكثر من ذلك، ألا تعتقدون أنّ فقدان الثقة بمهنية وضمير وإنسانية طبيبٍ ما، مرتبط عضوياً بذائقته الموسيقية؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى النجار والمحامي ومصيِّن الغسالات ورجل الدين والوزير والنائب وسائق التاكسي والموسيقي أيضاً. مهندس سيشيّد منزلك تعتبره موثوقاً أكثر إن لمحت في سيارته ألبوماً لتشارلي باركر أو تداعت منها على مسمعك أنغام أغنية «وطى الدوّار» وهو ينتظر نهايتها لكي يترجَّل. هذه حقيقة، ومن يدّعي العكس عليه أن يشرح لماذا استشرى الفساد في كل القطاعات، ولماذا انحدر الضمير المهني في كل المهن، ولماذا انهارت الأخلاق على كل المستويات، بالتزامن مع الصعود السريع لموجة الفن المنحدِر صوب قعر العهر؟
باختصار، هذه ليست تغطية حدث موسيقي ذي هدف ريعي إنساني. هذه فقط إضاءة على نموذجٍ يجب تعميمه… لضرورات وجودية.

* أمسية جاز لـ «بيغ باند» الكونسرفتوار الوطني: اليوم ــ الساعة الثامنة مساءً ــ «قصر الصنوبر» (المتحف ــ بيروت).