غزة | «إنّا نحبُّ الوردَ، لكنّا نحبُّ القمحَ أكثرْ»، لكن يبدو أنّه في قطاع غزّة لا واحد من دون الآخر. فلم تعد غزّة المعروفة بزهورها التي تجتاح أسواق أوروبا والعالم قادرةً على تصدير أطنان الورود كأحد أجود أنواع الأنواع المُنتجة في العالم، وكانت تمثل مصدر دخل وخبز لكثيرين.
في الأعوام الماضية، تراجعت مساحة زراعة الأزهار وتقلّصت نسبة المبيعات إلى حدّ اقتصرت فيه على البيع المحلي. تتعدد أسباب تراجع إنتاج الورود، ومنها أن الاحتلال يرفض السماح للتجار بتصديرها، كما أن عذوبة المياه لم تعُد كافية بقدر ما تحتاج إليها هذه الزراعة. كذلك، توقف الدعم الهولندي الذي كان ينظر إليه على أنه الرمق الأخير في دعم المزارعين الفلسطينيين. هكذا، وللعام الثالث على التوالي، تُحرم زهور غزة من الوصول إلى الأسواق الأوروبية بعدما كانت تلقى رواجاً لافتاً في المناسبات السنوية.
يستهلك الدونم الواحد من الورود 1300 كوب من المياه العذبة، مقارنة مع الخضروات التي يستهلك الدونم الواحد منها 800 كوب، ولا يشترط عذوبة المياه. هنا، تجدر الإشارة إلى أن أوضاع المياه في القطاع المحاصر تسير من سيّئ إلى أسوأ، بما يهدد الحياة البشرية أوّلاً، ويجعل زراعة الزهور في ظلّ توقف التصدير شيئاً من الماضي. وما يرهق الفلاحين أنّ زراعة الزهور وقطفها يستغرقان 11 شهراً، تبدأ في حزيران (يونيو)، وتستمر مع العناية بالمحصول حتى كانون الأوّل (ديسمبر). في غزة، كانت تشتهر مناطق شمال غرب مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر بزراعة الورود، لكن تلك المنطقة تعرضت لضخ مياه البحر والمياه الجوفية على التربة حينما قررت القوات المصرية أخيراً هدم الأنفاق التجارية، ما أثّر سلباً في هذه الزراعة.
وبالعودة إلى الدعم الهولندي لزراعة الزهور، كان يتنوّع بين تقديم دورات تدريبية لتعليم المزارعين كيفية الحماية والحفاظ على الأزهار، وتوفير بعض الشتلات وأنواع الورود غير الموجودة في غزّة وتعليمهم كيفية زراعتها، إضافة إلى إدخال بعض الأسمدة والأدوية ذات الجودة العالية، لكن هذا الدعم توقف واتجه جراء ذلك كثيرون نحو زراعة الحمضيات ومحاصيل أخرى.
ومن أصناف الزهور التي تزرع في غزة: اللوندا، والجوري، والقرنفل، والخرسيوت، والألمنيوم، والجربيرا. لكن المفارقة أنّ الوردة الواحدة تباع في أوروبا بيورو واحد، في حين أنّها إذا بيعت في غزّة لن يصل سعرها إلى أكثر من0.3 يورو.
وبما أن تكلفة الدونم الواحد من الورود تصل إلى قرابة عشرة آلاف دولار أميركي، عدا تكاليف التصدير، فسيكون بيعها في غزّة خسارة لا بد منها. في هذا السياق، تذكر إحصاءات وزارة الزراعة في غزّة أنّ المساحة المخصّصة لزراعة الزهور تقلّصت في الآونة الأخيرة، وعزت ذلك إلى «شح المياه وعراقيل التصدير». ففي عام 2000، كان يزرع نحو 500 دونم بطاقة إنتاجية تصل إلى 55 مليون زهرة، لكن في 2016 وصلت مساحة الزراعة إلى 37 دونماً فقط، يملكها عشرة مزارعين ينتجون نحو 40 ألف زهرة فقط للتسويق المحلي. يعقّب مدير وحدة الإرشاد والري والتربة في الوزارة، نزار الوحيدي، بالقول إنّ تأخير التصدير أو سوء التحميل لمدة ساعات يفسد المحصول ويجعله غير مقبول في الأسواق الأوروبية، مشيراً إلى أنّ الزهور «نبتة حساسة تزرع داخل الدفيئات المغلقة لمواءمة الظروف المناخية كي تبقى حية، كما تحتاج إلى مدخلات أخرى مثل أدوات التعبئة والتغليف وبرادات الحفظ وهي مكلفة للمزارعين إن لم يجدوا الجهة الداعمة لهم».
ليست الزهور وحدها المهدّدة بالاختفاء عن أرض غزة، فهناك الفراولة التي باتت تكاليف زراعتها أكبر من ثمن بيعها في أسواق غزة المحلية، وهي أيضاً محظورة من التصدير هذا العام، كما أنها تكبّد مزارعيها والخزان الجوفي للمياه خسائر فادحة.