في الوقت الذي يهلل فيه أنصار النظام المصري لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعفو عن 82 من سجناء الرأي الخميس الماضي، حكمت محكمة جنح قصر النيل بحبس نقيب الصحافيين يحيى قلاش وعضوي مجلس النقابة، رئيس لجنة الحريات خالد البلشي، والأمين العام جمال عبد الرحيم، عامين مع الشغل وكفالة قدرها 650 دولاراً أميركياً لكل منهما، على خلفية اتهامهم بـ «إيواء صحافيين مطلوبين أمنياً، وبث أخبار كاذبة» عن اقتحام الداخلية نقابة الصحافيين أيار (مايو) الماضي.في سابقة في تاريخ مصر، قرر النظام المصري أن يكتب فصلاً جديداً من مسلسل القمع الذي يستند إليه منذ أحداث 30 حزيران (يونيو) 2013، ليُفاجأ المصريون بقرار المحكمة بحبس أكبر ثلاث قيادات في نقابة «الحريات»، ما جرّ حالة من الغضب، فيما نظّم عشرات الصحافيين وقفة احتجاجية أوّل من أمس السبت على سلالم النقابة في وسط القاهرة، اعتراضاً على الحكم. ردّد المحتجون هتافات على شالكة: «يا دي الزفت ويا دي الطين حبسوا نقيب الصحافيين»، و«قولوا للنيغاتيف جوّة وزارته، حبس الصحافي يساوي إقالته». كذلك اجتمع مجلس النقابة بنحو طارئ، مقرراً «احترام أحكام القضاء ودفع الكفالة المالية لوقف الحكم»، داعياً الجمعية العمومية إلى اجتماع مفتوح بعد غدٍ الأربعاء.
ترجع أحداث الحكم إلى الأوّل من أيار، حين اقتحمت قوات الأمن مبنى النقابة للقبض على الصحافيَّيْن عمرو بدر ومحمود السقا لاتهامهما بالتحريض على التظاهر ونشر أخبار كاذبة في القضية المعروفة إعلامياً بـ «تيران وصنافير». يومها، دعا مجلس النقابة إلى جمعية عمومية غير عادية، لبّى نداءها آلاف الأعضاء، في مشهد تاريخي يسجل اعتراض العاملين في «صاحبة الجلالة» على إهانة مقرّ نقابتهم أو الاعتداء على أصحاب الرأي. لم يقبل النظام أن يطالب الصحافيون بمحاسبة المسؤولين عن «الاقتحام»، فوُجّهت إلى النقيب والأمين العام ورئيس لجنة الحريات التهم السابق ذكرها.
بعد دقائق من صدور الحكم، انتشرت آلاف التغريدات على تويتر، ليتصدر هاشتاغ #نقيب_الصحافيين قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في مصر، وبدت الغالبية العظمى من التدوينات مستنكرة للحكم، فيما سخرت التعليقات من هيئة المحكمة ومؤسسة القضاء برمتها. ووصل الأمر بأحدهم إلى أن يكتب «تجار الحشيش يحبسون أصحاب الرأي»، في إشارة إلى القاضي طارق محمد زكى مصطفى الذي ضُبط أخيراً، قادماً من شبه جزيرة سيناء وبحوزته 68 كيلوغراماً من الحشيشة، في كمين نُصب في مدخل نفق الشهيد أحمد حمدي! وفي سياق السخرية، جمع عدد من الصحافيين الشباب في مقر النقابة «تبرعات بالعملة المعدنية» وضعوها في صندوق رمزي لدفع الكفالة المطلوبة.
من جهته، وصف محامي النقابة ياسر سيد أحمد ما حصل بأنّه «أقصى عقوبة ينص عليها القانون حيال التهم التي تواجهها قيادات الصحافة المصرية»، مشيراً إلى أنّ المتهمين لم يعد بمقدورهم سوى سداد الكفالة والطعن في الحكم خلال 10 أيام لوقف التنفيذ، وإلا فمصيرهم «السجن». في غضون ذلك، أعلن البلشي أنّه شخصياً يتمنى أن يكون التعامل مع الحكم في إطاره، وألّا يتحوّل إلى أداة للإلهاء عن القضايا الرئيسية في نقابة الصحافيين، وأُولاها قضية الحريات العامة وحرية الصحافة وأوضاع المحبوسين والمعتقلين. وأشار البلشي أيضاً إلى وجود أكثر من 28 زميلاً يدفعون الثمن من صحتهم وأعمارهم داخل السجن، وبهذا الحكم طالت القائمة لتضم ثلاثة آخرين مهما كانت مناصبهم «والعنوان الرئيسي لكل هذا هو الحرية».