تتصاعد نغمات الكمان والأورغ والدرامز والغيتار والساكسوفون من «بيت أطفال الصمود» في الرشيدية، في محاولة لأن تعلو ضجيج العزلة والضيق المعيشي والاجتماعي والتأخر المدرسي والعنف والمخدرات وتسلل الظواهر المتشددة في المخيم. منذ عام 2003، تنظم المؤسسة صفوف موسيقى مستمرة طوال العام لأطفال المخيم وبناته وفتيانه مجاناً، في إطار التبادل الثقافي بين النرويج والمخيمات الفلسطينية في لبنان بدعم من جمعيتي «الفوروم» و«نورواك» النرويجيتين. وفق مدير المؤسسة في الرشيدية محمود زيدان، شكلت الموسيقى طاقة القدر «للأطفال الفلسطينيين المحرومين الأنشطة الفنية في مدارس الأونروا». لكن صمود المشروع في الرشيدية طوال 13 عاماً، لم يكن مهمة سهلة. «عند إطلاق المشروع، واجهنا صعوبات في إقناع الأهالي بتقبُّل الموسيقى بسبب طغيان قناعة الحلال والحرام»، يقول زيدان. لكن عراقة المؤسسة في المخيمات الفلسطينية وتغلغلها بين الأهالي من خلال أنشطتها المتنوعة، مرّرا المشروع حتى اشتمل لاحقاً على الغناء والدراما والرسم الهزلي. أجيال مرت في مدرسة الموسيقى. حالياً، يتعلم نحو سبعين طالباً وطالبة على أيدي فنانين فلسطينيين ولبنانيين. وبشكل دوري، يحضر موسيقيون وأكاديميون نرويجيون يشاركون في التدريب.
يتوقف زيدان عند الانعكاس الاجتماعي والسلوكي لمدرسة الموسيقى في الرشيدية، ليس لدى الطلاب فحسب، بل داخل أسرهم أيضاً. يلفت زيدان إلى نجاعة دواء الموسيقى لعلاج العزلة والعنف والتأخر المدرسي والمشكلات داخل الأسر.
الموسيقى لا تمرّ بحاجز التفتيش التابع للجيش اللبناني عند مدخل الرشيدية، كذلك تتخطى الإجراءات الأمنية المشددة التي يحاصر بها. هي حملت عدداً من الموسيقيين الصغار إلى النرويج في إطار برنامج التبادل الموسيقي الذي تكرس بين المؤسسة و«الأكاديمية النرويجية للموسيقى» (فيغر ستارف) ومدرسة «جزهايم سكول». التبادل أنتج أمسيات مشتركة في الرشيدية والنرويج لطلاب الموسيقى وطالباتها. يسعى الطلاب الفلسطينيون إلى أن يدربوا زملاءهم النرويجيين على تأدية الأناشيد الوطنية وعزف الألحان التراثية.