أثار هدم المنزل الذي ولد فيه أبو القاسم الشابي (1909 - 1934) الكثير من الجدل في الشارع التونسي، بخاصة في الوسط الثقافي، منذ أن أثار الباحث في الفكر الإسلامي وابن بلدة الشاعر، أنس الشابي هذه القضية قبل عام، منبّهاً وزارة الثقافة آنذاك إلى ضرورة اقتناء هذا المنزل وتحويله إلى متحف ومزار للشاعر العربي الأكثر شهرة. دعوة أنس الشابي لم تلق أي صدى، فبعد مرور عام، هُدم أخيراً ما بقي من المنزل بالكامل في مدينة توزر، وانطلقت الأشغال لإقامة مجمّع سكني جديد لم يراع في تصميمه الخصائص المعمارية لمدينة توزر التي ارتبط اسمها بشاعر «إرادة الحياة». شاعر ترجم المحتجّون في أواخر حكم الرئيس بن علي بيته الشهير «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» الى شعار لما يعرف بالثورة «الشعب يريد إسقاط النظام».
هدم المنزل اعتبره أغلب المثقفين التونسيين جريمة بحق الذاكرة التونسية تتحمّل مسؤوليتها وزارة الثقافة التي تبرأت من أي مسؤولية، بدعوى أنّها حاولت شراء ما بقي من المنزل لترميمه منذ سنوات، لكن الورثة رفضوا ذلك. وبالتالي، لا حق للوزارة في التدخّل لترميم المنزل أو التصرّف به، طالما أنّ ورثة «شاعر الخضراء» رفضوا بيعه. واعتبر الروائي حسن بن عثمان أن هدم المنزل وإقامة مبنى آخر في المكان عينه بمواصفات حديثة، هو فعل مقصود منه معاقبة الشاعر بعد أكثر من سبعين عاماً على رحيله لأنّه كان وراء تفجير الثورة التي أطاحت بالنظام السابق.
هذه الحادثة تعيد من جديد الجدل حول المعالم والمواقع التي محيت مثل «مقهى تحت السُور» في حي باب سويقة وسط مدينة تونس العتيقة التي كانت محور النشاط الثقافي والإبداعي في الأربعينيات والخمسينيات. كما اندثرت منازل كبار الأدباء والفنانين التونسيين في مدينة تونس العتيقة مثل البيت الذي عاش فيه رائد الأدب الفكاهي في تونس علي الدوعاجي صاحب «جولة بين حانات البحر الأبيض المتوسط»، والبيت الذي عاش فيه محمود بيرم التونسي، وبيت الباحث في الأدب الشعبي محمد المرزوقي، وبيت نجمة الغناء صليحة، وبيت الفنان علي الرياحي وغيرهم من الفنانين والأدباء.
ويطالب عدد من المثقفين التونسيين اليوم مجلس النواب بإصدار قانون يجبر ورثة الفنانين والأدباء والشخصيات الرمزية في البلاد على بيع منازل هؤلاء إلى وزارة الثقافة لتحافظ عليها باعتبارها إرثاً ثقافياً لا يمكن التفريط به. وفي غياب هذا القانون، لا يمكن لوزارة الثقافة التدخّل في الأملاك الخاصة مثل المكتبات، والمنازل، والمكاتب، وأروقة الفنون التشكيلية، وقاعات السينما، والمقاهي، والمطاعم التي ارتبطت بالحركة الثقافية والإبداعية. ذاكرة تونس الثقافية فقدت في السنوات الأخيرة الكثير من المعالم مثل «مقهى المغرب» الذي كان محور الحياة الثقافية في الستينيات، وها هو يتحوّل اليوم إلى محل لبيع الملابس الرياضية، إضافة إلى «مقهى تونس» الذي أصبح فرعاً لبنك الإسكان، وقاعات السينما مثل «الشانزليزيه» و«أفريكا» وغيرها. فهل ينجح وزير الثقافة الجديد محمد زين العابدين في استصدار هذا القانون عبر البرلمان؟