نادراً ما يحقق إعلامي شاب الضجة التي خلّفها الإعلامي المصري باسم يوسف، وتحديداً عبر برنامجه الشهير «البرنامج». نجح مقدّم البرامج الآتي من عالم الطب في حجزٍ مكانٍ مهمٍ له على الشاشات العربية، فأصبح بشكلٍ أو بآخر رقماً صعباً، ومؤثراً حقيقياً في اللعبة السياسية المحلية: كان ـ كما يؤكد كثيرون- مسماراً دقَّ في نعش حكم الإخوان المسلمين لمصر، و«بوقاً» مزعجاً ضايق النظام المصري الحالي. على هامش زيارته لبنان مشاركاً في نشاطٍ لجمعية «سند» المتخصصة في تقديم العناية التلطيفية للمصابين بأمراض مزمنة، كان لا بد من «استنطاق» يوسف للحصول على إجابات عن أسئلةٍ كثيرةٍ حوله إعلامياً وشخصياً، إذ أنه «محترف» يعرف كيف يقول وماذا يقول، فلا يمكن «حشره» بسهولة. علماً أنّ يوسف سيحلّ هذه السنة على «مهرجانات بيت الدين»، حيث يقدّم في 3 آب (أغسطس) المقبل «ستاند آب كوميدي» بعنوان «النكتة أمضى من السيف».
نظراً الى أهمية الحاضر، كان بديهياً سؤال يوسف عما يفعله اليوم: «اعمل حالياً على برنامج أقدّمه في أميركا اسمه «كتيّب الديمقراطية» يتحدّث عن السياسة الأميركية من وجهة نظر عربية. التجربة جيدة، لأنه ليس هناك إعلاميون عرب كثيرون خاضوا هذه التجربة في الإعلام الأميركي، واستطاعوا أن يوجدوا لهم مكاناً هناك. البرنامج «أونلاين» سيعرض على Fusion TV (هو مشاركة بين ِشركتي Univision و ABC). بعد ذلك سيصار إلى عرضه في وقت الذروة هناك». وعن كونه موجوداً في أميركا رغم أنّه ينتقد بشدّة من «يرتمون في أحضان أميركا»، يؤكد الإعلامي الساخر: «أنا موجود أميركا منتقداً للسياسة الأميركية، لا لمدحها» ليعود ويكمل ضاحكاً: «وإذا قمعوني، سآتي إليكم في لبنان».
ولأنه حين تذكر باسم يوسف، تتذكر «البرنامج»، كان منطقياً السؤال عن إمكانية إعادة تقديمه و«صنعه» خارج مصر. يجيب يوسف: «البرنامج كما قلت سابقاً ومراراً مصري محلّي. لذلك لن أقوم به خارج مصر أبداً. متى صنعته وقدّمته خارج مصر، فإنك ستفقد مصداقية كبيرة، لأنك ستكون آنذاك «شخصاً يشتم البلد من برا»» ليكمل: «الوضع والمناخ الحالي (يقصد سياسياً) لا يسمحان بوجود برامج من نوع «البرنامج». الحل آنذاك كان أن نتوقف عن العمل أو نقدّم أعمالاً تافهة. أنا شخصياً حدث معي كل شيء في البرنامج: أوقفت مرتين، تم التشويش على حلقاتي مراراً، رفعت عليّ دعاوى كثيرة في المحاكم. فهل كان عليّ دخول السجن كي أثبت أنني لم أستسلم مثلاً؟» ثم أكمل معلّقاً بالعامية المصرية: «أنا أموت في المزايدات العربية» غامزاً من باب من يوجهون له تهمة أنّه تخلّف عن البقاء والمواجهة.
ونظراً الى أنّ برنامجه كان حاداً في لحظاتٍ كثيرة، كان طبيعياً سؤاله عن الخوف، وعلاقته به، ليشير: «لقد تم إيقاف البرنامج، ما الذي سيحصل أكثر من ذلك؟ ثم إنني إذا عشتُ بخوف، فذلك يثبت أنّهم قد نجحوا». لماذا لا يعود «البرنامج» إلى الانترنت (اليوتيوب تحديداً) كما بدأ؟ يغوص يوسف في الفكرة: «ما ينفعش ترجع للمربّع الأوّل مرةً أخرى. البرنامج كانت حالة كبيرة وخاصة بحد ذاته. كان البرامج الأوّل في العالم العربي الذي شاهده نجوم صف أوّل مصريون وعرب كجمهور ضمن مقاعده. لذلك، لا يمكن العودة إلى أقل من ذلك، لأجل ذلك أنا أسمّي هذه الحالة اليوم لعنة البرنامج». وهل شجّع البرنامج شباباً كثراً لتقديم تجارب مشابهة؟ يؤكد النجم الساخر: «لقد شجّع البرنامج كثيرين لتقديم تجاربهم، ولو أنه توقّف، فإن أثره لا يزال مستمراً».
وفي حين يشير كثيرون الى أنَّ «البرنامج» كان سبباً رئيسياً في سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، يتريث يوسف في الإجابة: «والله لو كان تأثيري كبيراً إلى هذا الحد، فسأكون شاكراً للغاية. لا أستطيع أن أصف نفسي بذلك، الناس يستطيعون قول ما يشاؤون عني». حقق البرنامج نقلةً نوعية في البرامج السياسية الساخرة، فماذا عن مرحلة ما بعده؟ «البرامج الموجودة في مصر حالياً لكن سقفها السياسي منخفض للغاية، فأنت لا تستطيع أن تتجاهل السياسة لأنها تدخل في كل شيء. هكذا لا تستطيع انتاج «البرنامج» لايت أو خالٍ من السياسة مثلاً. وفي حال خالفت ذلك، فإنه سيصار إلى إيقاف البرنامج. أنت لا تستطيع أن تتجاهل أحداثاً جسيمة وكبيرة والتفتيش على أمور صغيرة للحديث عنها».
في الإطار عينه، نسأله عن إطلالات فنانين من خارج الـmainstream الفنّي المعتاد ضمن «البرنامج». هل كان الأمر مقصوداً لرسالةٍ ما؟ أم أنه مجرد اهتمام بتلك التجارب؟ يشير: «نعم كان مقصوداً، وأردناه تشجيعاً لتجارب الشباب، وكنا متفقين مع متعهدين يتعاملون مع الـ «أندرغرواند». كما أنّ الضيوف لم يكونوا كلّهم «أندرغراوند». مثلاً، فرقة «مسار إجباري» لم تكن «أندرغراوند». كنا نريد أن نحضر للجمهور تجارب فنية طازجة مثل لينا شماميان التي كانت مشهورة في فرنسا وسوريا ولبنان، ولم تكن معروفة في مصر. لقد كنّا نسعى لإحضار تجارب مختلفة».
ماذا عن الثورة، خصوصاً أنّ باسم يوسف معروف عنه تأييده للثورة في مصر، وكذلك لبعض الحراكات في الوطن العربي (بحسب صفحته على الفايسبوك)؟ «الثورة لا تحدث في يومٍ واحد، بل تحتاج إلى وقت ولستُ أنا من أقول هذا، بل التاريخ. أن تحدث الثورة، فهذا أمرٌ سهل، أما أن تنجح الثورة، فهذا حديثٌ آخر. الثورة هي process not an event (مسار وليست حدثاً)». طبعاً يقود هذا إلى السؤال عن علاقته بالنظام المصري الحالي. يشير ساخراً: «هي علاقة بالحلال طبعاً»، مما يستحضر سؤالاً: هل كان يوسف ليسجن لو بقي في مصر؟ يجيب: «لقد كتبت وقلت هذا مراراً على حسابي على الفايسبوك. كثيرون ممن أعرفهم سجنوا، ولم يكن غريباً أبداً سجني، فذلك لن يكون غريباً عليهم (يقصد النظام) أبداً. كذلك، من الممكن ألا يحدث شيء، لكن لماذا علي أن أجلس منتظراً إمكانية حدوث ذلك من عدمه؟».
ختاماً، كان لا بد من السؤال حول عودته إلى الشاشة العربية عبر برنامج جديد، «لو كان هناك عمل محترم وجيد، فبالتأكيد سأقبله، فأنا ليس لدي شروط. ليس الأمر مادياً، فقد كانت هناك عروض مادية كثيرة، لكن أنا لا أريده أن يكون برنامجاً يؤثر على إرث برنامج «البرنامج». ورغم أنه ليس هناك شروط مسبقة لكيفية تكوين العمل وشكله لكن في الوقت عينه، ليس منطقياً التراجع عما حققناه هناك. لذلك فإنَّ الإجابة على هذا السؤال صعبةٌ للغاية».