باريس | «نحن لا نرقص مع الأبارتايد» هو الشعار الذي استخدمه محتجون فرنسيون يوم الثلاثاء الماضي أمام دار الأوبرا في باريس، اعتراضاً على استضافة عرض لفرقة الرقص الإسرائيلية «بيتشيفا». تنظيم الاحتجاج جاء بعد محاولات فاشلة استمرت لأكثر من شهرين للضغط على إدارة الأوبرا لإلغاء عرض الفرقة، وفي الوقت الذي بلغت فيه الاعتداءات الإسرائيلية ذروتها ويتعرض فيه الفلسطينيون إلى القتل والسلب، ويزج بأكثر من 270 طفلاً دون سن الخامسة عشرة في سجون الاحتلال. محيط دار الأوبرا الذي يعج دوماً بالسياح تحوَّل إلى ثكنة عسكرية تلتف حولها الحواجز الحديدية، ومُنع الناس من الاقتراب أو تخطي الحواجز، إذ تم تخصيص منفذان حديديان ضيّقان لعبور الناس إلى داخل القاعة. هذا المشهد السوريالي مصحوباً بالانتشار الأمني للشرطة الفرنسية ذكّرَنا أيضاً بالعام الفائت، حين فَردَت بلدية باريس ضفة نهر السين لاستضافة «شاطئ تل أبيب». يومها أيضاً، نظّم نشطاء مناصرون للقضية الفلسطينية «شاطئ غزة» الملاصق لـ«شاطئ تل أبيب» (الرسمي)، لتمتلئ بعدها ضفة النهر بمئات عناصر الشرطة الذين أقاموا حواجز إغلاق وتفتيش ظهرت كأنّها أفضل صورة لعكس ما يجري في الأرض المحتلة.
أُقفل مدخل مترو الأنفاق المؤدي إلى الأوبرا ونَصب المحتجون أمامه الأعلام الفلسطينية ومكبرات الصوت، فكان على جمهور العرض الراقص أن يدخل إلى مبنى الأوبرا على وقع الشعارات التي دوَّت في محيط المكان منددة بالكولونيالية الإسرائيلية، وداعية إلى المقاطعة الثقافية والأكاديمية للكيان المحتل. كما نجح المحتجون في تنظيم عرض غنائي راقص أمام الحواجز الحديدية على مرأى الجمهور الذي اصطف لمشاهدة العرض الإسرائيلي. خلال عرضهم، غنّى المحتجون ألحاناً من «التراث اليهودي» بكلمات جديدة، كُتبت خصيصاً لإدانة المحتل وممارساته.
الاحتجاج الذي دعت إليه الناشطة اليسارية التي تقود حملة المقاطعة في فرنسا، أوليفيا زيمور، ليس الأوّل، بل هو حلقة من سلسلة طويلة لملاحقة الأنشطة الثقافية والاقتصادية الإسرائيلية في فرنسا. وبالرغم من اعتماد تلك الأنشطة على جهود فردية، إلا أنّها كثيراً ما حققت نتائج موفقة كان آخرها إجبار متجر فرنسي شهير على سحب البضائع الإسرائيلية من رفوفه. علماً بأنّ زيمور باتت تشكل هي ومؤسستها Euro Palestine صداعاً دائماً ومتجدّداً للوبي الصهيوني في باريس، وقد تعرضت مراراً للاعتداءات المباشرة عليها وعلى مؤسستها، من ضرب وتكسير من قبل «عصبة الدفاع اليهودي» (LDG) في مدينة الأنوار.
احتجاج زيمور وأصدقائها قبل ثلاثة أيّام يجعلنا نقف بخجل عند السبات الذي تغط فيه الجالية العربية التي تعتبر واحدة من أكبر الجاليات في فرنسا (إن لم تكن أكبرها). ويجعلنا نقف أكثر عند الجالية الفلسطينية التي عادة ما يكون وجودها معدوماً في التجمعات المتعلقة بقضيتها وحقوقها ووطنها المسلوب، ويدفعنا إلى التفكير أكثر وأكثر في شَطَط أشقائنا، أولئك الذين لا يجيدون الرقص إلا مع الأبارتايد!