بالأمس توقفنا في جبيل. محطة جديدة على طريق الصيف المقبل في لبنان. في الفندق المطل على الميناء القديم، أُطلق برنامج «مهرجانات بيبلوس الدوليّة» (١٣ تموز/ يوليو - ١٨ آب/ أغسطس)، بحضور وزيري السياحة والثقافة، وحشد من الفنانين والاعلاميين. رئيسة اللجنة لطيفة اللقيس أكدت «استمرارية وجه لبنان الحضاري مهما كانت الظروف». بعضنا صدّقها، والبعض الآخر تظاهر بذلك. المهم أن يتواصل نجاح التجربة المميّزة التي يشرف على برمجتها «المايسترو» ناجي باز، صاحب الوصفات السحريّة والمعادلات المركّبة: بين الرائج والسهل والشعبي والطليعي والتجريبي.
المهم أن تستمر «بيبلوس»، وبمعايير فنية عالية، في قلب الأزمة المستشرية التي أشار إليها كل من المتكلّمين بخفر، وبطريقة غير مباشرة، كأننا نتمسك جميعاً بتعويذة خفيّة تبعد النحس. وزير السياحة ميشال فرعون الذي قدّم نفسه بأنّه «دائماً متفائل… نسبياً»، هنأنا بـ«الخطة الأمنية الناجحة في كل لبنان»، ولفت إلى نموّ الحركة السياحيّة في بلدنا اللطيف (من ٢٥ إلى ٢٨ ٪)، وإلى ارتفاع المصروف السياحي للفصل الأوّل فقط من العام الحالي بنسبة ١١٪. ليس وقت التدقيق في الأرقام بأية حال، هاتوا البرنامج. يجيبك الصدى: ليس الآن، انتظر قليلاً، واسمع الخطابات. ولا تعتب على الذين يلفظون القاف «كافاً»، ركز على الجوهر!
اشارة الـ V التي رفعتها هبة لا علاقة لها بالنصر، بل ترمز إلى «زي فويس»

على المنصّة المزدحمة وزير الثقافة روني عريجي الذي حصد التصفيق حين قال: «كنت أتمنى أن يكون هناك وزير ثقافة آخر في مكاني، ورئيس للجمهوريّة». توقف عريجي بمثالية يحسد عليها عند التناقض بين «ما يجري في المنطقة… ولبنان حيث تلتقي الأديان والمعتقدات». بعضنا صدّق، والبعض الآخر قبل على مضض. رئيس بلديّة جبيل زياد حواط ابتعد في كلمته عن الإطناب والغنائيات، ليقدّم بعض الوقائع. جبيل مرشّحة (من قبل وزارة السياحة) لتكون «عاصمة السياحة العربية ٢٠١٦»، والأمر يثير حماسته كما يبدو بوضوح. تحدث عن المشاريع والإنجازات بهمّ تنموي بلدي واضح، وأشار إلى مشروع حيوي أقرّه «مجلس الإنماء والإعمار» (في انتظار صحوة مجلس النواب طبعاً) لـ«شق الطريق وتوسيعها بين الدورة وطبرجا»… والله فكرة ممتازة! فبعد فترة وجيزة، إذا بقينا على الأوتوستراد الحالي، لن يعود يغامر أبعد من جسر الكرنتينا سوى المجانين والانتحاريين والمضطرين.
على المنصّة أيضاً الفنّانة هبة طوجي «التي رفعت اسم لبنان عالياً» ـــ كما أجمع المتكلّمون ـــ من خلال مشاركتها الناجحة في برنامج The Voice بصيغته الفرنسيّة، وانفتحت أمامها أبواب العقود المغرية… وأثارت في بلدها نقاشاً هادئاً لم يتخذ، لحسن الحظ، شكل حملة مسعورة. لقد تعرّضت هبة للانتقادات في لبنان، بسبب انزلاقات صغيرة، «محسوبة» سيجزم أسامة الرحباني الجالس إلى جانبها. تنازلات لا مفرّ منها، إذا شئت أن تخترق عالم الشوبزنس، في غرب مهووس أكثر من أي مضى بابتزاز النخب العربية الواقعة تحت رحمته، ودفعها باتجاه خطوات تطبيعيّة مع العدو الصهيوني… بداعي الفنّ والحوار والسلام! للمرّة الأولى نسمع ردّاً من الثنائي طوجي/ الرحباني، منذ انتشار صورة تظهر فيها نجمتنا مع متنافسة إسرائيليّة في البرنامج المعروف. المشاركة «تحمل جنسيّة ثانية» قال أسامة في معرض دفاعه نصف المقنع، موضحاً بحقّ أن اشارة الـ V التي رفعتها هبة لا علاقة لها بالنصر، بل ترمز إلى «زي فويس». وكشف أن كل خطوة قامت بها هبة كانت «مدروسة، وبمعرفة السلطات الأمنية والسياسية والدبلوماسيّة» في لبنان. لنحتف هذا الصيف بالفنانة الشابة، المتعددة المواهب، على أن نستعيد لاحقاً النقاش، الجاد والمهم، بالإذن من الصحافي «التبسيطي» الذي تبرّع بنظريّته من الصالة مختزلاً القضيّة إلى… «حزب أعداء النجاح».
هبة ستحيي أمسية غنائيّة (٧/ ٨)، فهمنا من أسامة أنّها ستكون كوكتيلاً من الأنماط والمدارس واللغات. واللبنانيّة الأخرى في بيبلوس هذا الصيف هي السوبرانو سمر سلامة (١٢ و١٣/ ٨) التي لم تُدعَ للجلوس إلى المنصة. «مقدّس/ دنيوي» عنوان برنامجها الأوبرالي في كنيسة مار يوحنا التي تحتفل بمئويتها التاسعة. سمر العائدة إلى بيبلوس، ستغني برغوليزه: الجزء الديني في الكنيسة («شابات ماتر») والأوبرا كوميك في الحديقة (لا سيرفا بادرونا). باقي البرنامج يجمع بين مستويات عدّة، ويراعي كل الأذواق من «الماين ستريم» إلى العيار الثقيل في الجاز والروك. توقف ناجي باز عند كل أمسية بنبرة تثقيفية، وحكى عنها بشغفه المعهود: في الافتتاح فنان الـ«سول» والـ«آر إند بي» جون ليدجيند (١٣/ ٧)، سمعتم على الأقل أغنيته «غلوري» في فيلم «سلمى» عن الرفيق مارتن لوثر كينغ. ثلاثي الروك الايرلندي The Script ـــ بوب، روك، هيب هوب ـــ (١٤/ ٧) الذي يحطم ارقاماً قياسية في التوب فايف منذ سنوات في أوروبا وأميركا. موعدان من العيار الثقيل: الأول مع الهارد الروك والميتال، يحييه مايكل شانكر مع رفاقه في السوبر فريق «معبد الروك» (٢٢/ ٧): المغني دوغي وايت (من «الرايمبو» سابقاً)، والرفاق القدامى في «سكوربيونز»: فرانسيس بوشولس (باص) وهيرمان ريربال (درامز). والثاني مع الجاز، من خلال غريغوري بورتر في أمسية استثنائية تجمع بين السول والجاز والغوسبيل والبلوز (٢٨/ ٧). في عيار أخف هناك ثنائي الغيتار «رودريغو إي غابرييلا» (٢٦/ ٧). وفي مفاجأة لا يجرؤ عليها إلا ناجي باز (أي مدير فني غيره كنا رميناه بالطماطم) ستغني ميراي ماتيو (نعم، هي!) لجمهورها العارم (٣٠/ ٧). وأخيراً، لهواة النوع، هناك «آلت دجاي» ALT-J فريق الروك البديل الآتي من بريطانيا ليختتم المهرجان (١٨/ ٨).