بضع دقائق كانت كفيلة بتحويل الطفلة السورية غنى بو حمدان إلى شخصية مشهورة شاهدها الوطن العربي بأسره وتناقلت أغنيتها عشرات المواقع الإلكترونية، ومئات الصفحات الافتراضية. شبكة mbc المعروفة في تصنيع النجوم باللعب على وتر العواطف والمشاعر المرهفة للشعوب المقهورة، واصلت هذه المرة لعبتها الأثيرة من خلال وصفة أكثر سحراً وإدهاشاً. في برنامج «ذا فويس كيدز» الذي انطلق مساء السبت، رأينا براءة الأطفال تتحول مطية لكسب أكبر عدد من المشاهدين والفوز بحجم وفير من التصويت، على مسرح لا تنقصه مقومات المتعة التلفزيونية والتشويق اللازم للبرامج الترفيهية الناجحة. جاء ذلك مدعوماً بحضور النجوم أعضاء لجنة التحكيم الذين يحتلوّن مكانتهم الرفيعة لدى الجمهور على رأسهم «القيصر» كاظم الساهر، ونانسي عجرم وتامر حسني.
إذاً طبخة المشاعر تلك صارت الشبكة السعودية بالغة الاحتراف في طهوها على نار هادئة، على أن تذوّب فيها مشاعر الجماهير. سبق أن تابعنا مثلاً في نهائيات «أراب آيدول» التي تأهل فيها الفلسطيني محمد عسّاف والسورية فرح يوسف، أغنيات تسكن الوعي الجماعي للمشاهدين العرب (الأخبار 24/6/2013). كذلك شاهدنا قبل أيام أوّل محجبة تفوز بلقب «ذا فويس» (الأخبار 25/12/2015). على العموم، كان لإحساس الطفلة السورية غنى بو حمدان الدور الأكبر في نجاح التجربة، ولو أنّ هناك نقاشاً حول موهبتها، إذ يرى بعضهم أنها لم تتبلور بعد بالشكل الأمثل وأنها تحتاج فعلياً إلى سنوات حتى تظهر خامتها الصوتية بصورتها النهائية. لكن الإجماع كان قاطعاً حول إحساسها العالي وجرأتها وقربها الاستثنائي من القلب، خصوصاً مع الدموع التي انسكبت من عينيها بعفوية مطلقة لتزيد حظوظها وترفع أسهمها وترجّح بقوة كفة التعاطف معها. وما زاد هذا التعاطف أنّ غنى أدت أغنية اللبنانية ريم بندلي «اعطونا الطفولة» التي غنّتها سنة 1984 عندما كانت بيروت تنام وتصحو على كابوس الحرب الأهلية وأصوات القذائف والرصاص. وقد أسرت بندلي حينها كلّ من تابعها وحفرت بأغنيتها مكانتها في وجدان جيلها. وأول من أمس، حلّت غنى بو حمدان كمعادل موضوعي وخليفة حقيقية لبندلي، بخاصة أنها ظهرت بمثابة رمز للطفولة السورية المجهضة بين نيران الحرب في الداخل، أو مخيمات اللجوء على الحدود، أو الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة كبيرة من السوريين. بالتوازي مع الانتشار الهائل للمقطع الذي غنّت فيه غنى «اعطونا الطفولة»، انقسم الجمهور العربي بين مَن اعتبر أنّ mbc تستثمر الجرح السوري بشكل تجاري بحت، وبين من رأى أن المحطة نجحت في تظهير الوجع السوري بطريقة فنية راقية تحوّلت فيها موهبة الطفلة إلى رمز لكل أطفال سوريا في مختلف بقاع الأرض. في كل الأحوال، يمنح البرنامج فسحة كبيرة للتعرف إلى مواهب طفولية فذة كانت غنى بو حمدان أكثرها قرباً إلى القلب وصاحبة حظ وفير في التعاطف الجماهيري العريض.

«ذا فويس كيدز»: كل سبت 20:05 بتوقيت بيروت على قناة «mbc1» و«mbc مصر»