عندما بدأت «مغامرة» الفنان هشام جابر في «مترو المدينة» (الحمرا ــ بيروت) في 2013، لم يكن مقرّراً لها أن تستمر أكثر من شهرين، لكن الإقبال الكثيف للجمهور اللبناني على «هشّك بشّك شو»، ساهم في إستمراره بنجاح كبير حتّى اليوم. أثبت العرض أنّه ما زال هناك مساحة للمسرح الشعبي وفن الكباريه في بيروت، ولم يكن القائمون عليه يتوقعون رد فعل بعض الإعلام المصري إثر العرض الوحيد الذي قدّموه على مسرح سيّد درويش في «أوبرا الإسكندرية» في الأوّل من تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي.
«هشك بشك» ليس مجرّد عرض مسرحي وحفلة موسيقية، بل استعراض غنائي، تختلط فيه أدوات المسرح بالموسيقى الحيّة والغناء، لنخرج بنتيجة ترفيهية تنتمي إلى فنّ الكباريه في مستوى فنّي عالٍ يندر تقديمه في بيروت، ويعود بالمُشاهد إلى القاهرة في بدايات القرن العشرين. ويضم العمل على قائمة أبطاله: ياسمينا فايد، ولينة سحاب، والزميل روي ديب، ووسام دلاتي، وزياد أحمديّة، وزياد جعفر، وبهاء ضو، وسماح أبي منا، ورندا مخول. أما وراء الكواليس، فتحية إلى هشام جابر (مدير فني)، ونديم صوما (بصريات وتصميم إضاءة)، وجواد شعبان (تصميم وهندسة صوت)، ولارا نصار (تنفيذ إضاءة)، وسارة نهرا (مديرة إنتاج)، ونبيل أبو الهيجاء (تقني) وجينا سمعان (تصميم ملصق).
المفاجأة بدأت مع إنتهاء حفلة الإسكندرية التي حضرها عدد كبير من الوجوه المعروفة، ولا سيّما المحافظ هاني المسيري والقنصل اللبناني في الإسكندرية أسامة خشّاب، حين انتقدت مؤسسات إعلامية مثل صحف «الوفد» و«المصري اليوم» و«الشروق» وغيرها العرض الذي حمل في المحروسة إسم «مترو المدينة».
تحدّثت أميرة فتحي في «الوفد» مثلاً عن أنّ «العرض أثار إستياء الحاضرين لما يحويه من إيحاءات خادشة للحياء العام ولجمهورالأوبرا الذي اعتاد الرقي»، معشيرةً إلى أنّه «ضلّل الحاضرين من الموسيقى والضحكات على طريقة كباريهات شارع الحمراء اللبنانية»!. وفي «الشروق»، ذهب حاتم جمال الدين إلى أبعد من ذلك، إذ نقل عن لسان مدير إعلام دار الأوبرا محمد حسني «تبرّؤه» من العرض اللبناني «المهين لمصر العشرينيات»، مطالباً لبنان بـ «الإعتذار»!
الهجوم الذي بدا «مدروساً» بشكل ما، استُكمل في «المصري اليوم» مع جمال عبد الناصر الذي تطرّق إلى الجمهور الذي «لفّ بعضه وجهه في أكثر من مشهد، خجلاً من الإسفاف المتمثّل في استحمام سيّدات شبه عاريات خلف ستارة شفافة، ورقص يحمل إيحاءات جنسية...». إذاً، العمل الذي حظي بإعجاب الجمهور اللبناني والنقاد وجال على مناطق عدّة داخل لبنان وخارجه، مثّل بالنسبة إلى جزء من المصريين، بمن فيهم الإعلامي تامر أمين، «عرضاً إباحياً»! حتى إنّ هناك من رأى فيه «إهانة إلى الرموز المصرية»، نظراً إلى إحتواء بوستر العرض في بيروت على صورة للملك فاروق وهو يضع المكياج. إنّه واقع مثير للحزن فعلاً، فكلنا تعرّف إلى مصر الثلاثينيات من خلال فن الكباريه الجميل وعبر أفلام الأبيض والأسود الشهيرة... مصر التي شهدت حينها أجمل الملحنين والكتاب والمغنين الذين عرفوا كيف يقدّمون الطقاطيق والألحان الشعبية إلى جانب الأغنيات الطربية، فهل تنتهي قريباً هذه الردة التي نشهدها اليوم؟