القاهرة ــ محمد شعير«البقيّة في حياتك». أصبحت هذه العبارة الأكثر تداولاً بين المثقفين المصريين. أصبحت لقاءاتهم في صالونات العزاء أكثر من لقاءاتهم في المنتديات الثقافية. الفنان التشكيلي عدلي رزق الله (1939 ـــــ 2010) أحد الذين غيّبهم الموت مساء أول من أمس بعد رحلة طويلة مع المرض. غيابه يفتح ملف علاج الكتّاب والمثقفين، فقد أُدخل الراحل معهد الكبد في مدينة المنصورة للعلاج، وبعدما تحسنت صحته قليلاً، خرج، لكنّه عاد ليدخل العناية الفائقة في «مستشفى السلام الدولي»، وأشار أصدقاء له إلى أنهم توجّهوا إلى «وزارة الثقافة» للمساهمة في تكاليف علاجه، لكنّها لم تقم بدورها.
ولد رزق الله في محافظة أسيوط (جنوب مصر) وتخرّج من «كلية الفنون الجميلة» عام 1961، ثمّ التحق بـ «دار الهلال» ليعمل رساماً. وفي السبعينيات، كان أحد الذين أُجبروا على ترك عملهم وهاجر إلى باريس في ما عُرف وقتها بالتغريبة الكبرى للمثقفين المصريين. تتميز أعماله بحساسية عالية. ينقل كل شيء حوله إلى عالم شعري حتى تبدو الأشكال كأنّها من عالم آخر، فيها من الفانتازيا بقدر ما فيها من خفّة الفنان.
وصفه الناقد شاكر عبد الحكيم بـ«شاعر الألوان». فألوانه «المائية هي المادة الأولية التي يطوّعها ويعالجها ويتفاعل معها ويطوّرها كما لو كانت كائناً حياً يضجّ بالحركة والحيوية والنشاط».
ورغم ما في لوحته من أبعاد فانتازية تجعله يحلّق بعيداً عن الواقع، فإنه «لم ينفصل عن أرض الواقع. إذ ظلّت هذه الجذور تتشبّث بالأرض والحياة، وتتلوّن بألوانهما كأنها شريان موصول بلونه الدامي»، حسب تعبير الناقد فاروق البقيلي.
لم يكن رزق الله يكتفي بالتشكيل لنقل أفكاره والتعبير عنها، بل كان عشقه للكتابة موازياً لاهتماماته التشكيليّة.
كان يقول دوماً: «أعشق شيئين: الكلمة واللون وبالدرجة نفسها». لذا، كتب سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء، لا يزال ثالثها مخطوطاً لم يصدر بعد. قبل رحيله، كان يخطّط ليقيم متحفاً شخصياً لأعماله وكتبه ومقتنياته.