«هذه الظاهرة التي رأيتها في مدينة النبطية ذكّرتني بالمسرح الإغريقي، المسرح الملحمي. مسرح يندر أن تجده اليوم، بل هو غير موجود أصلاً. شخصية الإمام الحسين من الشخصيات التراجيدية التي يتمنى كل ممثل مسرحي أن يجسدها بسبب أهميتها التاريخية والدينية والاجتماعية». بهذه الكلمات استهل الفنان تيسير إدريس لقاءنا معه في النبطية (جنوب لبنان) بعد ساعة على تجسيده شخصية الإمام الحسين في المدينة الجنوبية لمناسبة ذكرى عاشوراء.
وقد حلّ ضيفاً على المدينة لمدة أسبوعين، حيث شهر «سيف الإمام» وخاض معركة «الطفّ» التي خصصت لها مساحة بيدر تحولت مسرحاً حياً، محاطاً بآلاف المشاهدين، ودارت على أرضه معارك استخدمت فيها الخيول. «هذا مسرح يحتاج إلى ممثل يحب الارتجال والمغامرة» يقول تيسير إدريس، مضيفاً: «إنها لمغامرة أن أدخل لعبة مماثلة. لكن شخصية الإمام الحسين هي التي شدتني».
في دوما القريبة من دمشق، ولد تيسير إدريس في عام 1954 من والد فلسطيني هو الشيخ زامل إدريس من جبل الكرمل في حيفا، ووالدة لبنانية من بلدة هونين الحدودية. عن والديه، ورث الصوت الجميل وما ينشدانه من تراث شعبي. من تجويد القرآن إلى قراءة القصص الخيالية، لأبي زيد الهلالي، والزير سالم، وبلقيس والقصص وغيرها، بدأت شخصية التلميذ في مدارس وكالة الغوث (الأونروا)، تتبلور وتبرز وتصقل ملامحها. هناك أنهى المرحلتين الابتدائية والإعدادية وتابع المرحلة الثانوية في ثانوية عبد الرحمن الكواكبي.
الحراك الثقافي والمسرحي في سوريا مطلع السبعينيات جذب الشاب اليافع، فالتحق بمسارح المخيمات الفلسطينية ومسارح دمشق ليقدم أدواراً تعبّر عن مأساة الشعب الفلسطيني وتتحدث عن جدوى المقاومة. في مطلع عام 1970، شارك تمثيلاً في مسرحية «وجوه عبر الموت» مع المخرج زيناتي. العرض الذي قُدِّم على خشبة مسرح «المركز الثقافي السوري» في أبو رمانة (دمشق)، كان جواز مروره إلى المسرح. لكن أساتذته لم يكتفوا بما اكتنزه من تجارب على مسارح المدارس ومن الكتب، فخضع لدورة إعداد ممثل لأنّ معهد الفنون في سوريا لم يكن قد تأسس بعد. «الفنان الراحل يوسف حنا وعبد الله عباسي وفيصل ياسر أشرفوا على تلك الدورة التي امتدت من 1972 حتى 1973. ثم ألحّ عليّ الأستاذ يوسف أن أنال البكالوريا لكي أصبح ممثلاً، وردد أمامي: إن لم تدخل الجامعة، فلا يمكنك أن تكون ممثلاً. طلب إلي التقدم إلى البكالوريا، ففعلت ونلتها ودخلت قسم الجغرافيا في كلية الآداب في جامعة دمشق، وأصبح أستاذي وصديقي، وهو الذي مد يده إليّ في بداياتي».
في المسرح الجامعي، قدم العديد من الأعمال مع المخرج الراحل فواز الساجر، وجواد الأسدي، الذي نفذ معه أعمالاً عدة في المسرح الفلسطيني. بعدها صار عضو اللجنة المركزية في المسرح الجامعي في دمشق (1974)، لينتسب عام 1976 إلى المسرح القومي في وزارة الثقافة ويصبح موظفاً فيه. وبعد سنة، أخذه المخرج فواز الساجر إلى المسرح التجريبي، مع سعد الله ونوس. وكانت البداية مع مسرحية «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» المقتبسة عن مسرحية «كيف يتم تخليص السيد موكينبوت من آلامه» لبيتر فايس التي قدمت عام 1979 على مسارح سوريا وانتقلت إلى دول المغرب العربي وألمانيا.
بعد 13 سنة من التنقل بين خشبات المسارح، نصحه أستاذه يوسف حنا بالعمل في التلفزيون «لكي يعرفني الناس، مع أنه لم يكن يحمسني سابقاً على ذلك. وأنا كنت أجد ممثلي التلفزيون من الدرجة الثانية، وأن الممثل المسرحي هو الأقدر على تفجير الذات والشعور. شعرت بأن التلفزيون يستهلك الطاقة الإبداعية عند الفنان، ويكوّر خياله ويستهلكه. وهذا شيء كنت أمقته. لذلك، بقيت أحب السينما من أجل السحر الذي تكتنزه، وأحب المسرح بسبب الإبهار الذي يحمله».
في التلفزيون، جسّد شخصيات مختلفة. في مسلسل «الشتات»، أدّى شخصية مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل ثم توالت الأدوار والشخصيات مثل «أبو الريش»، و«الوَبش» والمسلسلات مثل «خالد بن الوليد» و«سقف العالم» و«سوق ساروجة» و«الهاربة» وغيرها.
أما في السينما، فقدم فيلمه الأول «صعود المطر» لعبد اللطيف عبد الحميد الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل في «مهرجان دمشق التاسع» عام 1995. وفي عام 2009، أدى دور البطولة في الفيلم الروائي القصير «محارم محارم» لمحمد ملص. وكذلك، شارك في فيلم «بوابة الجنة» إلى جانب نادين سلامة وعمار شلق وعبير عيسى، للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج ماهر كدّو.
وقد ظهر هذا العام في مسلسل «أنا القدس» للمخرج باسل الخطيب، وهو يتناول حكاية «زهرة المدائن» وما جرى فيها من أحداثٍ على مدى خمسين عاماً من القرن الماضي، بين عامي 1917 و1967. وأطلّ كذلك في مسلسل «العقاب» الذي كتبه عبد الغني حمزة، وأخرجه رشاد كوكش، وعرضته أخيراً محطة «المنار» حيث تصوِّر كل حلقة مصير قاتلي الإمام الحسين.
الفنان إدريس هو من مؤسسي المسرح الفلسطيني في سوريا. لذلك، جاءت بطولاته شبيهةً بحياته وقضية الفلسطينيين المغيبين قسراً عن بلادهم. في المسرح، شارك في أكثر من ستين عملاً. ولعلّه أكثر الفنانين العرب حضوراً في المسرح. هو إنسان مسرحي قبل كل شيء، كل الأدوار التي يؤديها، يخاف عليها. حتى في التلفزيون أو السينما، لا يقبل بدور لا يقتنع به، «إذا لم يعجبني الدور، أتركه، ولا يهمني ما قد أجنيه منه. لا أقبل أي دور عادي. أنا أحس بأنني ممثل غير عادي، وحتى الآن، لم أُظهر إلا القليل مما عندي».
ارتباط اسمه بالثقافة والمسرح جعل شخصيته تتسم بالجدية، وهو يرى بضرورة أن يكون الممثل ذا خلفية معرفية ثقافية، ويمتلك مخزوناً إلى جانب خياله الواسع، «لذلك يقال إن الممثل أصدق الكذابين».
14 سنة تفصل بين فيلم «صعود المطر»، وفيلميه الأخيرين «محارم محارم» و«بوابة الجنة». يردد تيسير إدريس: «لقد نسوني 14 عاماً، لماذا؟». ويرى أن ثمة مشكلة عند المخرجين تكمن في كيفية رؤيتهم الأمور، وما له علاقة بالتكريس، «ليس هذا الممثل أفضل من ذاك. بل هناك حضور أقوى لواحد على الآخر. مَن يتحكم بالعملية الفنية الآن هو المنتج الذي لا يعطيني دور البطولة.
الأمر لا يتعلّق بالموهبة هنا، فأنا الأول في السينما، وفي المسرح. فلماذا لا أعطى الشيء الذي أريده في التلفزيون؟ لماذا أنال جائزة التمثيل في المسرح وأغيَّب عن التلفزيون؟ لماذا أُستبعد عن الأدوار الأولى؟ هناك أسماء من المسرح الجامعي نفسه كانوا معي. لماذا هم يبرزون مثلاً فيما أُستبعد أنا؟».
لكن عندما تكون السينما، يهجر إدريس التلفزيون، ويعيش حنيناً دائماً إلى المسرح «لأنه يطهرني، يغسلني من الغبار. أحب المسرح. ولو أنه كان يوفر لي العيش الذي أريده، لما عملت إلا فيه وفي السينما».


5 تواريخ

1954
الولادة في ضواحي دمشق من والد فلسطيني وأم لبنانية

1970
شارك في مسرحية «وجوه عبر الموت» للمخرج زيناتي قدسية

1979
قدمه سعد الله ونوس في «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»

1995
جسّد دور البطولة في فيلم «صعود المطر» لعبد اللطيف عبد الحميد، وحصد جائزة أفضل ممثل في مهرجان دمشق التاسع.

2010
جسّد شخصية الإمام الحسين في ساحة مدينة النبطية (جنوب لبنان)، ويشارك في فيلم «الشراع والعاصفة» المقتبس عن رواية لحنا مينه بالعنوان نفسه