كنتِ منيعةً ضدّ أوبئةِ الصّداقة، المدرسةِ أو الحب، وكنتُ أثبُ من على سياج نحافتي، لأكتملَ بكِ، لكنّ الهيكلَ العظميّ لعاصفتي سُرعانَ ما يتهدّمُ تحت ضرباتِ ريشتكِ.آه، لقد حفظتُ المعوذتَين، أنا الكسولُ، من أجل أنْ أقرأهُما، وأنفخهما بوجهكِ، كلما التقينا، لأنكِ يائسةٌ بدون سبب، ولم أعرفْ أنّــكِ ولدتِ غاضبةً، أصلاً، حتى من الله، لكنّه الحظ!
كنتِ مُحصّنةً فطرياً ضدّ العائلة، وكثيراً ما هربتِ وضبطوكِ جالسةً عند المُسنّاة، غاضبةً، ترمين الأحجارَ على النهرِ، وكنتُ بابتسامتي، كلما عدتِ من أسفاركِ الطائشة، أحاولُ أنْ أمسحَ عن وجهكِ ذلك الأسى الغامضَ، أو تلكَ الدموعَ التي لم تُفلحْ في فـــرْكِ الصّدأ عن قلبِ العالم.
لم أكنْ معهم، ولا ضدّكِ. كان قلبي يُحاولُ أنْ يُتقنَ الشكلَ الذي يُناسبكِ، لكنكِ كنتِ مجبولةً على أنْ تكسريه.
■ ■ ■

عليكِ السلام كلما فاضتْ، من ثقوب الناي، حياتي.
■ ■ ■

بعد خطوات عدة تصل المدينةَ، لا تلوي على شيء، سوى أن تستعيدَ نشوةً غامضة اجتاحتكَ، وأنتَ تمشي، ذات يوم، في أحد شوارعها، عندما طرق سمعَكَ النايُ يعزفُ امرأةً موحلة تشرقُ بوجهها القمري، من بين البردي، حيث كان يعيشُ أجدادكَ...
مروركَ ذاك كان عابراً، ثم صار مقيماً فيكَ، فأخذته معكَ إلى أهلكَ، وهناكَ، وأنتَ بينهم، شعرتَ بكَ منفياً منذ الولادة...
■ ■ ■

كانوا يحبونكِ كما لو أنهم لم يحبوا من قبلكِ، هم الذين أحبوا قبائلَ من النساء، إضافة إلى طوائف من الصبايا، اجترحوا أوصافهنّ من الكتبِ، ومن أزقة الخيالِ، لكنهم أحبوكِ لأنهم أحبوكِ في كلّ امرأة، قال الشعر: إنها امرأة...
كانوا يحبونكِ، رغم أنهم يعرفونَ تماماً أنكِ لا تحبين أحداً، لأنهم كانوا يعثرون على خطوات بعضهم فوق أرض روحكِ، وكانوا يحبونكِ رغم ذلك، لأنهم يفهمونَ أنكِ مخلوقةٌ هشّة مثلهم.

فرانسيس بيكابيا ـــ «مِيلِيبْيَا» (زيت على قماش، 1931).

كانوا يحبونكِ، وكانوا فوق ذلك يعلمونَ أنكِ ستهجرينهم دفعة واحدة، لذلك كانوا يتهيؤون، ويعزمون على أن يتيهوا وراءك في الأرض، حتى يعثروا على آثارك في المرافئ، وفي الحانات: في الأزقة والسفن والفنادق، لأنكِ امرأةٌ حقيقيةٌ جداً، كحقيقة أنكِ خرجتِ من هذه القصيدة، وتوزعتِ على القراء، في جميع العالم، رقة وحناناً: روحاً وجسداً وقبلة.
كانوا واثقين أنهم سيجدونكِ، وأنهم سينتحبونَ على أكتاف بعضهم، لأنكِ ستلعبين اللعبة ذاتها في مكان آخر، وأن عشاقكِ هناك يحبونكِ كما لو أنهم لم يحبوا من قبلك، هم الذين أحبوا قبلكِ قبائلَ من النساء، إضافة إلى طوائف من الحوريات والصبايا، اجترحوا أوصافهن من الكتبِ، ومن أزقة الخيالِ.
سيلبثون هكذا، يتوالدونَ من خلالكِ: يتكاثرونَ في الفصول، في الثورات، وفي العواصف، وسيؤلفون عنكِ كتباً وأساطير وأغانيَ، وستلبثين خالدة: تنبعثين مع كل مطر يسقط فوق هامة الغريب، مع كلّ بحة ناي، ومع كلّ نافذة تفتحها العاصفةُ فتطيرُ العصافيرُ من ثيابهم المنشورة على حبال غسيل العالم.
سيتوارونَ، في النسيان، غير عابئين، لأنهم كانوا يحبونكِ، كما لم يحبوا من قبل، هم الذين أحبوا قبائلَ من النساء، إضافة إلى طوائف من الحوريات والصبايا، اجترحوا أوصافهنَّ من الكتبِ، ومن أزقة الخيالِ، لكنهم أحبوك لأنهم أحبوكِ في كل امرأة قال الشعر: إنها امرأة.

* كركوك/ العراق