
اليوم سنجد كتب نزار قباني على الأرصفة، وفي واجهات المكتبات، بطبعات جديدة، أكثر مما نجد الأدوية في الصيدليات، كأنه لم يغب يوماً، على رغم تجاهل المؤسسات الثقافية لذكراه المئوية. ففي لحظة الزمهرير العمومي، كان لا بد من أن يُنسى الشاعر الذي أهدانا خبزاً طازجاً، وأعاد تعريف بياض الياسمين الدمشقي بمعجمٍ خاصٍّ به دون سواه، أو لنقل الشاعر الذي خلخل المعجم الشعري العربي، وأدخل عليه لغة الحياة بقصائده الجريئة ومفرداته اليومية الأليفة. في المقابل، لم تمنحه دمشق متحفاً، أو تمثالاً يحرس إحدى ساحات المدينة، كما لن نجد زهوراً فوق ضريحه في «مقبرة الباب الصغير» على غرار ما يفعله عشّاق الشعراء الآخرين في العالم.
تكمن ظاهرة نزار قباني، بمعاكسته التيار، وبثورته على معجم الخدر والغيبوبة والدروشة، إذ أثار عاصفة غير مسبوقة منذ أن أصدر ديوانه الأول «قالت لي السمراء»، لتتلوها عواصف أخرى، حول قصيدته «خبز وحشيش وقمر»، ثم حول «متى يعلنون دفن العرب». لكن ماذا لو أن نزار قباني لم يُسجّل على قيد نفوس الشعر بذهابه إلى شأنٍ آخر؟ سنكتشف بالتأكيد حجم الخسارة، كما لو أننا نفقد قارة شعرية كاملة بكامل عشاقها. لنستعد إذاً، هذا السيف المسلول من العشق والهجاء والغضب، كي تكون حياتنا أقلّ شقاءً، وأكثر حباً. ألم يقل يوماً: «أكتبُ لأغيّر طقس العالم... وأجعل الشمس أكثر حناناً... والسماء أكثر زُرقة... والبحر أقلّ ملوحة»؟