كانت الثَّورتان الجزائريَّة والفيتناميَّة (في موجتيها ضد الفرنسيس، ثمَّ الأميركان) من أعنف ثورات العصر الحديث، بطول أمَدِهما وكثرة ضحاياهما بشراً وعمراناً وخسائرَ ماديَّة من كلا جانبي الاحتراب؛ وعليه صارت هاتان الثَّورتان — إلى جانب الثورة الفلسطينيَّة التي تشتغل وتخبو حتَّى اليوم — أكثرَ الأحداث غنى بالمقالة السيَّاسيَّة والدراستين الفكريَّة والتَّاريخيَّة (فانون، غيفارا، شارل أندري جوليان..). لكن تبقى للثورة الجزائريَّة التي انتهت بالاستقلال عام 1962 ـــــ ونخلِّدها في عدد هذا الأسبوع ـــ ميزة خاصَّة إبداعياً، إذ تغنّى بها شعراء من كلِّ أصقاعِ العالَم، خصوصاً من شعراء البلدين المتحاربين (الجزائر وفرنسا)، ناهيك بالعالم العربي والغربي. ويحضر هنا عطاء العراق الشعريُّ في التَّفاعل مع الأحداث الدَّاميَّة؛ ولا عجبَ في ذلك، إذا استحضرنا أنَّ الشعب العراقيَّ أكثر الشعوب العربيَّة ثورةً وانتفاضاً منذ فجر التَّاريخ، لا في الفترة الحديثة فحسب. يُشار إلى أنَّ الشعراء الجزائريِّين وَعَوْا مفارقةَ التَّغنِّي بالوطن بلغة المستعِمر، لكنَّهم استطاعوا إفراغها من حمولتها الإيديولوجيَّة (الكولونياليَّة) عبر ليِّ عنق تراكيبها وتوهيج معجمها؛ ولا عبارة تلخِّص هذا الجهد الشعريَّ والسِّياسيَّ في آن كالمقولة المنسوبة لكاتب ياسين: «اللُّغة الفرنسيَّة، بالنِّسبة لي، غنيمةُ حرب». كان هذا التَّجاوز الخلَّاق لحاجز الحمولة الفكريَّة للغة المستعمِر مقروناً بانخراط ثلَّة من الضمائر الحيَّة الفرنسيَّة (مدنيين وعسكريين فارِّين من الجنديَّة) في كفاحات الشعب الجزائريِّ من أجل استقلاله، كان أكثرها صدى «بيانٌ حول الحقِّ في العصيان في حرب الجزائر» المعروف بـ «بيانُ الـ 121»، لتوقيع 121 من أبرز المفكِّرين والكتاب عليه، محرِّضين الفرنسيين على الفرار من الجنديَّة في الجزائر، وداعمين لكفاحات الشَّعب الجزائريِّ المسلَّحة. بيان منعت الرقابة في فرنسا من تداوله ونشره، وحرَّضَ اليمين الفرنسي على اعتقال ومحاكمة موقِّعيه، وأبرزهم: موريس بلانشو، ودويونيس ماسكولو (محرِّرا البيان)، سيمون دو بوفوار، أندري بروتون، مارغريت دوراس، هنري لوفيكر، فرنسوا ماسپيرو، سارتر..لا شكَّ في أنَّ وحدة الشعوب والضَّمائر النَّزيهة والحيَّة كفيلةٌ بصنع انتصارات تسهم فيها الدِّماء والكلمات



1. مفدي زكريا: قَسَماً (الجزائر*)
قسماً بالنازلات الماحقات • والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات • في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات • وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا.. فاشهدوا
■ ■ ■

نحن جند في سبيل الحق ثرنا • وإلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يصغى لنا لما نطقنا • فاتخذنا رنة البارود وزنا
وعزفنا نغمة الرشاش لحنا • وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
■ ■ ■

يا فرنسا قد مضى وقت العتاب • وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب • فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب • وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
■ ■ ■

نحن من أبطالنا ندفع جندا • وعلى أشلائنا نصنع مجدا
وعلى أرواحنا نصعد خلدا • وعلى هاماتنا نرفع بندا
جبهة التحرير أعطيناك عهدا • وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
■ ■ ■

صرخة الأوطان من ساح الفدا • اسمعوها واستجيبوا للندا
واكتبوها بدماء الشهداء • واقرؤوها لبني الجيل غدا
قد مددنا لك يا مجد يدا • وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا

(*) فُكِّرَ في القصيدة وكُتِبَت في 1956 على أن تكون ما صارت إليه، وصارت نشيداً وطنياً رسمياً للجزائر في 1963.


2. كاتب ياسين: نجمةْ (الجزائر)
خبَّأتُ حياةَ عبد القادر.
أحسستُ من جديدٍ بقوَّة الأفكار.
فوجدتُ الجزائرَ غضوبةً.. تنفُّسُها..
تنفُّس الجزائر كان يكفيني.
يكفيني لطردِ الذُّباب.
ثمَّ صارت الجزائرُ بنفسها..
صارت خِيَانِياً ذباباً.
ولكنَّ النِّمال، النِّمال الحمراء
النِّمال الحمراء أتت للنَّجدة.
ذهبتُ بالمناشير. دفنتُها في النَّهر.
خططتُ على الرَّمل تصميماً..
تصميمَ مظاهرة قادمةٍ.
فَلْيُعْطَ لي هذا النَّهر، وسأكافح.
سأكافح بالرَّمل والماءِ.
بالماء العذب، بالرَّمل السَّاخن. سأكافح.
كنتُ مصمِّما. كنتُ أرى بعيدا إذن. بعيداً جداً.
[..] انفجرت أزهار الحور في شكل لِحية حريرٍ.
وكنتُ في غمرة الحرب. كنتُ أسلِّي الفلَّاح.
كنتُ أريده أن ينسى جوعه. كنت أقوم بدور المجنون. كنت أقوم بدور المجنون أمام أبي الفلَّاح. كنتُ أُقَنْبِلُ القمر في النَّهر.

3. كاتب ياسين: مناجَياتٌ (الجزائر)
دمٌ! دمٌ في كلِّ موضعٍ مِنِّي!
مخثَّرٌ في ذكرياتي،
رقراقٌ في أحلامي..

4. جان سيناك: وُلدتُ جزائري (الجزائر)
وُلدتُ جزائرياً. كان عليَّ أن أتقلَّب في كلِّ الاتِّجاهات، عبر القرونِ، كي أصير جزائرياً من جديد وكي لا يكون لي حسابٌ أسدِّده لمن يكلِّمونني مِنْ سماوات أخرى.
«إليك عنِّي، أي ذهبُ!» فأنا من هذا البلد. ولدتُ عربياً، إسبانياً، أمازيغياً، يهودياً، فرنسياً. ولدتُ مزابياً ومشيِّدَ صوامع، ابن خيمةٍ كبيرة وغزالةَ سهوبٍ. جندياً في بِزَّته على أعلى عُرف جبليٍّ مترصِّداً الغزاةَ.
وُلدتُ جزائياً، كيوغرطةَ في جريرتِه، كداميا اليهوديَّة — الكاهنةِ! — كعبد القادر أو بن مهيدي، جزائرياً كابن باديس، كالمقراني أو إيقتون (2)، كبوحيرد أو مايُّو (3). هو ذا كلُّ شيء. ينبغي إطلاق العنان للكلمات، كما لو كانت تستطيع أن تصير رصاصاً. سأزعق كي أستلمَ زمام الحُكم.

(1) من منطقة المزاب الجزائريَّة، ذات الغالبيَّة الأمازيغيَّة المتمذهبة بالمذهب الخارجيِّ الصُّفريِّ.
(2) شيوعيٌّ فرنسيُّ انتسب لجبهة التَّحرير الوطني الجزائريَّة، أعدمته السلطات الفرنسيَّة بالمقصلة عام 1957، بعد القبض عليه إثر عملية فدائيَّة. وكان المدنيَّ الأوروبيَّ الوحيد الذي تلقَّى عقاباً مماثلاً خلال كلِّ حقبة الثورة الجزائريَّة.
(3) هنري مايُّو: ضابط فرنسي، انتسب للحزب الشيوعي الفرنسي، وانشقَّ عن الجيش الفرنسي بتهريبه لحافلة سلاح وذخيرة لصالح الفدائيِّين. ألقي عليه القبض وأعدم من طرف سلطات الاحتلال الفرنسي.

5. جان عمروش: الكفاح الجزائريُّ (الجزائر)
لأفقر إنسانٍ
للَّذي يمشي نصفَ حافٍ تحت الشَّمس في الرِّيح
المطرِ أو الثَّلجِ
لذلك الَّذي، منذ ولادته، أبداً لم يكن
ممتلئ البطن

لن تستطيع، رغم ذلك أن تسلبَه اسمه
ولا أغنية لغة ولادته
ولا ذكرياته ولا أحلامَه.
لا يمكنك انتزاعه من وطنه ولا انتزاع وطنه منه.

فقيراً، جائعاً، عارياً، هو غنيُّ رغم كلِّ شيء باسمه
بوطن أرضيٍّ جعل منه مرتَعَه
وبكنزٍ من الحكايات والصُّورِ تحملها
لغة أسلافه مثلما يحمل نهرٌ
الحياةَ [..]

نريدُ وطن آبائنا
لغةَ آبائنا
نغمةَ أحلامنا وأغانينا
فوق مِهادِنا وقبورنا

لم نعد نريدُ التَّيه في المنافي
في حاضر بلا ذاكرة ولا مستقبل.

هنا والآن
نريد
تحرير الجزائر للأبد تحت الشَّمس
المطرِ والثَّلجِ
وطنَنا: الجزائر.
باريس، 1958

6. شفيق الكمالي: جميلة (العراق *)
هي لن تموت.. فخولة
لما تزلْ
رغم الردى.. نجمه
تَلُوح في العَتمه
ياقوتة خضراء بسامه
فجدتي تحكي لنا عنها
عن سيفها الذي تهابه الرقاب
وزندها الأسمر
وكيف كانت بالعصا تشّتت الكّفار
وأنقذت ضرار
لكن جدتي لا تسمع الأخبار
لم تدر أن خولة
عادت إلى الوجود
بزندها الأسمر
لكنهم يدعونها: جميله
تعيش في قلب الثرى الأحمر
حمامة سجينه
ما أروع السجينه !
ما أروع الصمود من جميله!
يهابها السجان
يخيفُه إصرار عينيها
جميلة يهابها الرجال
جميلة اللّبوءة الجريحة
تفتر فوق ثغرها ابتسامه
كأنّها تقول:
لتشرب السياطُ من دمي..
ليرتوي الجلاّد
دروبنا قتاد
زيتوننا بنادق ونخلنا رماح
وخلف كلّ صخرة سنَان
يا أنت يا سجان يا حامي الحضارة العتيده
حضارة القرصان
حضارة الخنجر
الشّعب لن يقهر
حضارتي حضارة المشْعل
عجل فلن أغدو فرنسية
عروبتي أقوى من الخنجر
عروبتي دمي وهل أعيش دون دم.

(*) في التَّغنِّي ببطولات الفدائيَّة الجزائريَّة جميلة بوحيرد.

7. بدر شاكر السياب: ربيع الجزائر (العراق)
سلاماً بلاد اللظى والخراب
ومأوى اليتامى وأرض القبور
أتى الغيث وانحلّ عقد السحاب
فروى ثرى جائعاً للبذور
وذاب الجناح الحديد
على حمرة الفجر تغسل في كل ركن بقايا شهيد
وتبحث عن ظامئات الجذور
وما عاد صبحك ناراً تقعقع غضبى وتزرع ليلا
وأشلاء قتلى
وتنفث قابيل في كلّ نار يسفّ الصديد
وأصبحت في هدأة تسمعين نافورة من هتاف
لديك يبشّر أن الدّجى قد تولى
وأصبحت تستقبلين الصباح المطلّا
بتكبيرة من ألوف المآذن كانت تخاف
فتأوي إلى عاريات الجبال
تبرقع أصداءها بالرمال
بماذا ستستقبلين الربيع؟
ببقايا من الأعظم البالية
لها شعلة رشّت الدالية
تعير العناقيد لون النجيع
وفي جانبي كل درب حزين
عيون تحدّق تحت الثرى
تحدق في عورة العاجزين
لو تستطيع الكلام
لصبّت على الظالمين
حميماً من اللعنات من العار من كل غيظ دفين
ربيعك يمضغ قيح السلام
بيوتك تبقى طوال المساء
مفتّحة فيك أبوابها
لعل المجاهد بعد انطفاء اللهيب وبعد النوى والعناء
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء
جراحاً يفرّ إليه الصغار ترفرف أثوابها
يصيحون بابا فيفطر قلب المساء
وماذا حملت لنا من هديّة
غدا ضاحكاً أطلعته الدماء
وكم دارة في أقاصي الدروب القصيّة
مفتحة الباب تقرعه الريح في آخر الليل قرعا
فتخرج أم الصغار
ومصباحها في يد أرعش الوجد منها
يرود الدجى ما أنار
سوى الدرب قفر المدى وهي تصغي وترهف سمعا
وما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد
فتخفت مصباحها من جديد
«ولما استرحنا بكينا الرفاق!»
هماس لأنييس عبر القرون
وها أنت تدمع فيك العيون
و تبكين قتلاك
نامت وغى فاستفاق
بك الحزن عاد اليتامى يتامى
ردى عاد ما ظنّ يوماً فراق
سلاماً بلاد الثكالى بلاد الأيامى
سلاماً
سلاماً.
بيروت، 08.06.1962

8. عبد الوهاب البياتي: الموت في الظهيرة (العراق*)
العربي بن مهيدي في سجن الاحتلال الفرنسي، حيث خضع لتعذيب منهجي أفضى إلى استشهاده (من أرشيف وزارة الحرب الفرنسية)
في حقول النور، من أفق جيد
قطفته يدُ قديسٍ شهيدِ
يد قديسٍ وثائرْ
ولدته في ليالي بعثها شمسُ الجزائرْ
ولدته الريح والأرض وأشواقُ الطفولهْ
وعذاباتُ ربيعٍ في خميلهْ
وانتصاراتٌ وحمّى وبطولهْ
وحماماتٌ وقرآنٌ وليلُ
صامتٌ يمسح عن كفّيْهِ آثارَ الجريمهْ
وعلى الجدران ظِلُّ
فوق عينيه وتربٌ وجنادلْ
فوق عيني ذلك الطفلِ المناضلْ
■ ■ ■

كان في نافذة السجن مع العصفور يحلُمْ
كان سرّاً مغلقاً لا يتكلمْ
كان يعلمْ
أنه لا بد هالكْ
وستبقى بعده الشمس هنالكْ
في ليالي بعثها شمسُ الجزائرْ
تلد الثائرَ في أعقاب ثائرْ
(*) مرثاة في تخليد استشهاد العربي بن مهيدي

9. محمد مهدي الجواهري: جزائرُ يا كوكبَ المشرقَين (العراق)
جزائرُ يا كوكبَ المشرقَي • ن دجا الشرقُ من كُربةٍ فاطلُعي
ويا عَقِبَ العرب الْمُغْرِبين • أعيدي صدى عُقبةٍ تُسمعي
أجدّي عهوداً عفتْ وابعثي • نوافحَ من سفرها الممتعِ
إذِ الحقُّ يغمر من بلقعٍ • ربى الخلد في مسكه الأضوعِ
وإذ يثرب تُلهب المشرقي • نِ بالعبقري وبالألمعي
وإذ يهزأ البدويُّ الأمي • نُ من تاج قيصرَ أو تُبَّعِ
جزائر يا جدثَ الغاصبين • بوركت في الموت من مربع
ويا نبعةَ الصُّبُرِ الصامدين • لوَتْها الرياحُ ولم تقطعِ
تعاصت فلم تعط من نفسها • لنكبة جزعاء من زعزع
ثبي.. فمناط رجاء الشعوب • وموت الطواغيت أن تفرعي
جزائرُ سامَكِ خسفَ الهوان • شرعٌ لمثلك لم يُشرعِ
وسفرٌ به الْمُثُلُ الصالحا • تُ رُدَّت إلى الخلق الأوضع
أذيلت صحائفه النيرا • تُ وديست وليثت بمستنقع
مشت لك باريس أم الحقو • قِ! وحشاً يدب على أربعِ
تمزق أظفاره أمةً • بحق الحياة لها تدعي
فرنسا.. وما أقبح المدعى • كِذاباً، وما أخبث المدعي
فداء لمقصلة الثائرين • مجازر للشيب والرضع
لك الويل من رائم أُطعمت • دم الراضعين ولم تشبعِ
لك الويل فاجرةً علَّقت • صليبَ المسيح على المخدع
تَهدم بستيل في موضعٍ • وتبني بساتيلَ في موضعِ
أمِنْ مشعل النور ما تحرقين • أباة على الضيم لم تربعِ؟
ومن يوم تموز ما ترسلين • شواظاً على هُلَّعٍ فُزَّعِ
ومن مطبخ الثورة المدعا • ة ما رحت تطهين للجوَّعِ
فيا سوأة الدهر لا تطلعي • ويا بؤرة الغدر لا تنبعي
ويا قرحة في صميم الشعو • ب قيئي صديدك واستبضعي
تواري فإن هوان الحيا • ء والطهر والعدل أن تطلعي
وظلي بحيث يظل الغرا • ب يحدج في جثث وقع
ردي علقم الموت لا تجزعي • ولا ترهبي جمرة المصرعِ
فما سُعِّرَتْ جَمَرَاتُ الكِفا • حِ لغَيرِ خليقٍ بِها أروعِ
ولا تَهِني إن سومَ الفَخا • رِ يَشُقُّ على الهيِّنِ الطيِّعِ
دعي شَفَراتِ سُيوفِ الطُّغاةِ • تُطَبِّقُ منكِ على الْمَقطعِ
فأنشودةُ المجد ما وُقِّعَت • على غير أَوْرِدَةٍ قُطّعِ
وخلي النفوسَ العِذابَ الصلاب • تَسيل على الأَسَل الشُّرَّعِ
فساريةُ العلمِ المستقلِّ بغير يدِ الموتِ لم تُرفعِ
ومُدِّي يداً لِمَجَرِّ النُّجُوم • وأُخرى إلى الْجَدَثِ البَلْقعِ
فإنك والموتُ دونَ الحياضِ • صنوانِ للشرف الأرفعِ
رِدِي علقمَ الموت بئسَ الحياةُ • تُرَنَّقُ بالذل من مَكرعِ
1956

10. كاظم جواد: عميروش ذئب الجبل (العراق*)
مات وفي عينيْه شيءٌ من لهيب المعركهْ
مات ووهرانُ سماءٌ لم تزل مُحْلَوْلَكَه
الخوفُ، والطاعونُ، والحصارُ، والمآثمْ
والليلُ، والفئْرانُ، والحديدُ، الشَّراذِمْ
مات على السفحِ وحيدًا يحضُن البريقْ
في مقلتيه يُسكب الحريقْ
من شفتيه، مات في الطريقْ
يحلم بالجبلْ
والشمسِ، والنسورِ، والسلاحِ، والعملْ
عَميروشْ
عميروش
هل تسمع الجيوشْ؟
تهبط من معاقل الأوراسْ وجرجرهْ والتلولْ
لتزرعَ السهولْ
بديلَ كل جُزمة وقنبلهْ
شُجيْرةً وسُنبلهْ
(*) مرثاة في التغنِّي ببطولات الشهيد العقيد عميروش آيت حمودة.

11. مادلين ريفو: يُقتَلون بالنَّار (فرنسا*)
يُقتَلون بالنَّار، بالماء، بالكهرباء،
هم من عاشوا بعيداً عن الينابيع
حالمين بالماء طوال حياتهم
هم من يرتعشون دون فحمٍ
في الشَّمس المثلَجة لعيد المولد
هم السَّاهرون دون ضوء
في عمق مدن صفيح مظلِمة.

أوَّل مرَّة رأى فيها
من قريب
مِغْطَسَ ماء
كانَ آخرَ يومٍ في حياته.
1955