مقدمة واختيارات: محمد ناصر الدينمجموعة تلو أخرى، لا يزيدنا شعر شوقي أبي شقرا (1935) إلا حيرة وذهولاً أمام غرائبيّته العجيبة ومعجم مفرداته المستلّ من القرية اللبنانية واللاهوت، وأحياناً من زوايا ميتة من معجم الفصحى، ليصنع لنا جواً هو أقرب ما يكون إلى الرسوم المتحرّكة الشعرية: في مجموعته الجديدة «أنت والأنملة تداعبان خصورهنّ» (دار نلسن ـ 2022)، يبدو صاحب «لا تأخذ تاج فتى الهيكل» و«حيرتي تفاحة جالسة على الطاولة» أقرب إلى بعض عناوين دواوينه: لغة رشيقة سريعة كسنجاب يقع من أعلى البرج، كغزال يتبع ساحرة ويكسر السنابل راكضاً. كتابة تتجاوز نفسها، تلعب بالمفردات كما يلهو الطفل بحصان خشبي، وترمي للقارئ بقنبلة من الدهشة بين السطر والآخر، وأحياناً في عناوين القصائد التي قد تكون فعلاً مضارعاً مثل «يبكي» و«تجثو»، وأحياناً أدوات من النحو مثل «حيثما» و«لست» و«هل؟» أو بجمل فيها تلك الفنتازيا السوريالية: «وكانت شختورة الأيام/ على سنّ الحافة/ وطالما أبحرت وانغمست/ وصدَر الدبسُ عن مكتب الخروبة». لا مرآة سيميولوجية أو نقدية ستعيننا على قراءة هذا الشعر، بل يدلنا على ذاته بذاته كما يقول أبي شقرا في قصيدة «لست»: لا ضابطة تضبط اللغة المهرّجة، ولا راعيَ يمكن أن يضع قصيدة أبي شقرا في الإسطبل، ولا هي قصيدة «قروية» بمعنى الشعر الريفي أو الرعوي. «على فمي عشّ النثر»، يقول الشاعر الذي كان من مؤسّسي تجربة مجلة «شعر» في بيوت القرن الماضي الذي نحا منحى عجيباً في كتابة تستفز المعاني المألوفة بطريقة أقرب إلى «طرطشة القارئ» والسير به في مركب عجائبي هو أشبه بمركبة فضاء نرى من زجاجها كل ما هو مُخلّ بقوانين الأرض والمكان والزمان، ولذة هي أقرب لما في فيزياء الكم من الشعر، منها إلى كل ما هو مألوف في كتابة الشعر بقديمه وجديده. في قلب هذه المجازفة الشعرية الخطيرة، يدسّ شوقي أبي شقرا بعضاً من السياسة المغلّفة بلغة ترميزية قوية وتختفي خلف ستار رسومه الشعرية المتحركة: في قصيدتي «المرفأ» و«الثائر» نقرأ: «هنا جرثومة وعلّيقة/والكبوش لون التساؤلات/ والبرغشة راجعة/ إلى دم الوطن» و«رسائل الشراع تملأ البوصلة ونحدّق إلى الأجمل/ إلى الجميلة والمرفأ». قصيدة شوقي أبي شقرا تزداد نضارة كلما تقدّم كاتبها في العمر، تداعب خصور المخيّلة التي علينا أن نبتلع قرصها كاملاً، فنرى تفاحة الشعر جالسة على الطاولة، تزيدنا حيرة على حيرة.



◄ قلنا لها
الثمرة هبطت لائقة بأنها ضوء الأميرات
قلت لها تعالي إلى بيتنا يا امرأة تلمع
إلى بساطنا ذي الرحمة ونظرة الحنان
وعمرها أقل من القرون الوسطى
وتمّت الرحلة بلا عربة
منذ براعم الروضة
إلى بستان الفلسفة والفذلكات
بين العقل والمنطق وتصاوير أخرى
وطالما داعبها الهواء
وباسها بوسات الرحابة
في خدّها وفي العنق وفي الإبطين
وزارها ملك الزمان
وزارتها قيثارة العصافير
أما العاصفة فقلنا لها
لا تخربي لها المروحة أي المسكة
أي خيط الإبرة
وأمسكناها من ذيلها من ذنبها
وقلنا لها ابتعدي يا قملتي يا قطتي
ورحنا نلعب معاً بالورق وصور النسيان
ورأينا الأص لا يعشق سواها
ولا يطيق غبار السجّادة
وكل شماس يرضى لها الزياح
وأن يتناول جسدها قربانة
وكل اللاعبين والساهرين
توافقوا والأرض الطيبة القلب
أن تحبل وأن نبجّل القامة ونزرع الزوجة عروساً ثانية
وإلى الغسالة تؤوب الطرحة والكندرة الهيفاء
إلى البوليسة الشمس وفستق الفراغ.

◄ المستشرق
تربضان في حلقي
هما نقطتان لأجلو المياه الزرقاء
ومن حانوت الشرق هواء دولابي
ولا يسع صدري حكايات اليمّ
ومن الغرب موسيقاه تصبّ الحماسة
ولعبة السكّر في الشاي وتسير مراكبي الورق والحبر
المتجمد هنيهات وسوف يذوب وريشتي تأخذ البريد
صالحاً لنكتب الإثم لا لنشرب الغلطة
والمركيز المستشرق
سيحمل في أكمامه
هندباء الغروب إليّ
كما سيحملني ويضع اللقب
لصقاً على السيارة والجبين.

◄ الهدية
النحلة لا تغار
مهما ساورتها الفراشة
ويتهافت العسل والفيلسوف
والحذاء المهاجر
وزهرة الوجود
عندها الصالون
لينطق العبير وتنساب اللغة
وهذا صاحبي العنقود
يعرف صاحبنا العصفور
ونسيم المودّة
لا يطفئ الجمرة وشين الشوق
والآتان حالمة الدار
والخرج يغذي المنطاد بالخوخة
والماء هدية إلى قميص الاغتراب
وإلى الأدغال لتزهر أفكارنا.

◄ لوطس
عطشان واللهفة حديث منقاري
وألوي عنقي ليطغى الحلم والصورة
ونفخة على الحرية وأن تهدأ
لأبلغ اللقمة أنا وجارتي
سجادة الحارة والقرنفل والشغب
ولا تخلو الحقيقة والجرذان والحقيقة
من النقمة على الأردان
و على سندان المصيبة وعلى أنفها السراب
وأترجّل وأجرح الحطبة
وبي حنين إلى العري
وبي فراشة المغفرة
وأطفو ولا عتاب يطرطش السماء
من جناب الساقي من بنت اللوطس وسبات الآنسة.

◄ الأحد
نأسر الغسق من عنقه
ولا ثور سيندم ويعضّ الذنب
ويمنح قرنيه للولد
ونغطي الجميع بالكلمة
بالنهر الخفيف يداعب الأصابع
ولا أحد من قبيلة الزوارق
يستأجر السفر الضيق
ومجذاف النحول
يصبو إلى قصر الحوت.
والحوت يتبرّع بالنصف لنشويه
والتتمة تسبح في جريدة البحر.

◄ الوشم
المنشفة لتحفّز الثور
وتحذف الغرق في الفنجان
وتعزف مجاناً وقيثارة الخريف
بين كوخ الخفر
وخاتم السلطان
والجرّة لتحذف اكتئابي
لتغسل الليرة من بني عثمان
وفي ملعب الصحن
خيال ربما خيالي
والوصال ينثر الملح لا للدجاجة تعي تعي
وننطح الألم الجاثم على ناقة الرمال
ونهاجر بالقفاز لا للملاكمة
وبالوشم لنعجب المسافة
وبالقبعة لنرتمي في الفضاء.
وهناك زبائن وسيّاح
وحذاء الندامة على
الطريق على مخيم جهنم.

◄ المرفأ
نتقاعد ونتوشّح باللغة
ودخان الثرثرة حول عمود السيرك
وقطائف من الجرد الأغبر
والسحنة تجاعيد كما عقدة الإسكندر
وتمرّ بنا القبلة قبل كلام الجمرة
ومن الثقب سوف الهيام
وكيف نبحر والحيرة
ورسائل الشراع تملأ البوصلة
ونحدّق إلى الأجمل
إلى الجميلة والمرفأ.

◄ البركة
الكلمة اختارت زماني وأن تراني أسوق الورقة
لأكون كل الفصول
لتنزل لتسكن في عروتي
وهي تتقبل التهاني تجلبها مدائح من الفجر ورؤى الحدقة
ومن جلبة الظهر والساعة ويقطف بناني جواهر وبالوناً
وعرق الصنديحة
ويمدّ الأنبوب حتى الكركة
للحصول على سريرة الانسكاب على الرعشة
وهو المدهوش المساء سيأتي وزوجته
تلبس الروب الغامق وحلى بالضوء
وهذا من شغلك يا صنارة العتمة
ويا عيني انظري ويا روحي ابتهجي
واتركي الكرسي للحمامة العليا
وأنت الساحرة تعالي من المحبس والشعاع
ونقفل بيت السجل وصالون العطور
على صحن الملبّس وندبك على الهوارة
قبالة الجمارك ونبرطل السحابة والأمواج
وطيف الوداع يغرورق.
ومن الأقرباء بنفسجة الصخور
تهوى من يقول لها يا سرابي
ويقترب ثغره من الاعتراف
ويقول يا أنت يا حبيبتي
ويبارك سبحانه الجذور
والتراب العاشق.

◄ الرائحة
الظلال ولا نذوب أبداً مهما جربت الملعقة والكأس
على الجدار على ميلوديا الحبق وتيبس
ونعلّق الشمس غداً هي وخيط اللوبياء
ولا نتخطى الغضروف والرسوم
ومنزل الدفتر.
ولا نعبر المسافة مهما البعد والأمتار
ودرب البنفسجة مهما غاصت في بركة ذاتها
وفي ربيع الدلال ورائحة الطفولة أكثر من القنينة
تناثرت في الغرف في ميدان قراراتي
وفي شقائق الدرج
وفي الهالة فوق الطنافس
وفي سماء المنفى.
وعلى الدرب إلى الملكوت
وإذا المجاعة ألمّت بنا كالعاصفة
نطبخ تلك على ضوء النجمة.

◄ المقعد
النجلاء الآنسة
هي الصخرة هي غيرة الطقس
ولا يعكّر القصبة
ولا يحلم بأنه سينتهي
إلى الكنار إلى القفازة إلى المنظر
ويشرق الشرق بين ستائر الندى
وأرجو المطر والبلل
وأن أحلق نفسي من اليابس وهندامي أن يكون حديقة
والزبدة أن تلتصق بأي جارة
ومقعد السينما أن نلقط الدلفين مجاناً
والأحمر سرعة الرجوع إلى البيت
والزحام على المياه لا على العروس
وجدتي الكنزة وهي تداعب الصوف
ودجاجة البطء وخروف الغسق
وكانت شختورة الأيام
على سنّ الحافة
وطالما أبحرت وانغمست
وصدَر الدبسُ عن مكتب الخروبة.

◄ الأصفر
تحملني وأنا البطيخة
وأتزوّج ولي سبعة من التأملات
ويعلو الأحرار فوق الكوخ
يقفزون لأنهم الجندب
ويعزفون لأنهم الوتر والعود
ويطلقون قيراطاً من منجم الحزن
وأنا المرفأ والصخب
والمراكب سنان التقوى والجرس
آهة الكاهن الأوسع من الزمان
عندما القربان يتناول الزرقة
وناحية الرصيف والقصبة
ومن السفر جاءني اللحن
ورائحة الفراسة
ويلمّني الشرق فلساً فلساً
أصفر من وزّال الخيال
وعلى العاصفة أن تكرج
وأن يظهر ساقاها
وأن القشة لا تموت بل هي راقصة البيدر
ولا يستحي المنزل من العري ولا ينبس
جاط الفاكهة.

◄ السيدة
هل الشمس هي الفخارة
هل الحمامة هي بنت قزح
ونغرس الاثنتين ونحاول أن نربح الدنيا
ونداعب التراب أن يرضى
ونكتب رقم الهاتف 
على جبين الغصن
على الفلوس المطعوجة
ونصفح عن البقرة
عن اللقمة وأن تلتهم القصّاب
ونتبع القائدة رسوم الزجاج
ونحفظ الحسون ليكون النادل
والصبي يأمر الإبريق
أن يجلب الماء إلينا وإلى الساقية
مريضة الفقراء. والعاصفة وحيدة إحدى الدواجن
وحين تجوع لا خبز لدينا
بل الدولاب يتبع كندرة السيدة والعزلة الشمطاء.

◄ رسوم
يخطف السترة والمخمل من الحفلة
ويهزج والكأس
وأحياناً في النور يهمي والاندفاع ينسكب
وماء المعمودية وصوب أي محطة لأي عصفور
ولا يرتوي من زجاج التصاوير
من الرسوم وحقول الزحام
والصلاة وأنا الأم والأب
وأنا الإيمان ينبع من الكاتدرائية
ومن قانا الخمرية وإلى العاصفة وفي يدي
أيتام من الشجرة ومن الباقة
وربما الأرض وربما المسافة.

◄ النبتة
على نهوند عظامنا
على طمرنا في الجورة
ونتجرّأ ومثلنا الآثار
على الكتابة في موكب الأبعاد
ونصطنع العبوس في الصفّ
وفي الأستاذ وحشرة الفضول
والغمزة لتحضر ليلى
من قنطرة القصيدة ومن لغة التي-شيرت
ومن طاقة الحجاب والسفور
والعاج طفلنا يهوى حنان الأصابع
ونحن الحبّ والسروة والصعداء
وإلى صفراء صارت الملكة
ومن الجلوس على الطنافس على فولار الحاشية
وما عندنا نسخة من الضفدعة
وديوان المستنقع
ومن الوجوه القشيبة
ولا بد من الشمعة
لنبصر الفقمة والشاطئ والوادي
وربما ننبت ثانية ها هنا.

◄ الممثل
الدرب والارتجال المجنّح
إلى الاعتذار، إلى لفظة عابرة
حذاؤها إيقاع
إلى هناك والتماع الإسوارة
إلى الهدهد ممثل القصة
والمتأنّق كل ليلة وكل فجر. 

◄ تنفخ
أطلب ولا أجدها
ولا خاتمها هنا ولا الهواء
يبترد على معصمها
وهي تنفخ الفرح على وجنتي
وعلى الشورباء قبل ينبوع البيداء
وقبل الشجرة وغيمة القطاف
والطواف سياحاً لنرى الجذور
ومن العيدان تنزل الرمانة وحدها وتترك الدرج.
ومن الأسفل الفيلسوف
ويتثاءب المارد الآخر
ثم يقرص حلمتي وأذني
وموسيقاي الدفّ وعلى كتفه حمامة الرنّة
وثمار الورقة وفرقة الظنون والجاز
والأحجية من عصاب التساؤلات
والفتاق يزور الآن معنى العزلة. 

◄ أبتعد حتى الأمثولة
على أرنبة أنفي شعاع البرد
سألبس الخريف لأبتعد عن العثرات تندلق على شرشفي
لتنزل شواربي عن زهو الإفريز
لتهطل القرية على ذاك الأيسر
يتماوج وحيث أفق وأدلّ الحبّ
على دفتر الطريق،
على النعاس الآتي
على شريان أحمر هو ضيعتي.

هو أنا ولا تبغ ينفرط
ولا دخان على الدشداشة
على خريطة بيتي وعلى فمي عشّ النثر
وعلى الحجر يشعّ وتسبح الندامة لتقول لي الأنس
وأين كتابي لينصرف وأين النبع ليتبعني
أستاذ الإعراب
وأين الأمس وخابية الصمت وفخارة التين
وتلك الحلية تنهض
وتطرد قبائل الآثام إلى جدتي الدجاجة
وتلك الطعجة إلى الحدّاد
وقرنه يضطرب ويخاف الرغيف من الثائرة الملامة
وتنزعج العربة من الأميرة والقنبلة
ويلبث الحنين كأنه الراعي
مشتاقاً إلى القطيع.
وإلى العليقة تخبئ الشمس
وهنا مدرسة وكواكب ونحن تلامذة سنركض إلى الكاتو
وإلى الحروف وليست نائمة
وبين الألف والياء ننزلق كأننا
الأدراج والشعثاء والرياح والدرجات
والنبتة الشقراء من ألحن الينبوع.
ونعلو فوق الفراغ يسهو
وحضرة السادة حضرة الاحترام ونلبث
جنائن وساقية ونغيب
بالعباءة الفاصلة وفسيفساء
القصور والمنقار حولنا
وتلك الرسوم ويجفل حصاني
وفي عبّ الخجل وإذا الحافة تخرمشني
وإذا السرير وأنين المهماز الراكد في الفنجان
وإذا الجرس وتصغي بلادي والتلامذة
والترتيلة عالقة بإكليل الشوك ولسنا سمعاً
وطاعة لدى العنزة تجوع وأنت تفورين والحليب
يا مولاتي.

◄ اللام
أعقف نفسي أنا العصفورة
وأنظّف المكان أحياناً والنفاية على الغصون
وأصفّ الدروس وأسقيها
لأشمّ الزهرة الطالعة من السباحة من الشرنقة
من مكتبة البثور لأقرأ الزمّور والكتاب
لأسكر من دمعة من زبيبة
من بنات النعش والأفانين
لتتركني الحازوقة على المفترق
لأرقص الباليه والبصلة عقيلة التراب
لنغتسل والعلّية من الوجع
لنردّ القشعريرة إلى الهواء
وقشّة الأسنان
إلى جدّها البيدر
وربما تبكي قمحة الدار
على ما مضى لتبصر الظلمة وتملأ جرّة الصومعة
بالشرارة
وبرغوتة هبطت من مسكبة الويل وفرفحين الثبور.

◄ البيانو
هو ذا أنا لا أعرف الشيء الضليل
لا أرتوي خارج ينبوع الجنّة والعطور
القائمة من غدير النوم
وأنا الفرصة لي الحافر
ولي ذلك الخبب ويفور
ويورق زهرة الوجد على موقدتي
وهو ذا حصاني يركض ويرقص
والشنطة تحمل الجغرافيا والنظرات
وتاريخ الحلّة وموسيقاه تخربط النافذة
وتحرث بيدر الختام
ونحن معاً بلادنا والحبّ
ونحن الكاتدرائية وتلك الغصون لنقف ويقف الفضاء
وتموج بزجاج الإيقاع كما ترفرف الجفون
كما نبلغ ونلتهم البراري والبخور
يتمادى، ولا سكين ليقصّ الحكاية والمخمل
فلا تبرد اللغة ولا إيقاع السكربينة
على أصابع البيانو
على ذنَبه الطويل
شغل يدي وإيحاءات الغابة
وبي نقحة العذراء
ورائحة حانوت العزلة.

◄ لغة المسافة
أنا الحياة شبعت من رسائل الكوكب
والأميرة الخادمة نجمة الصبح
وخدّي الورد لوناً
هكذا من خطاب الشجرة وسراب الأمنيات
وأنا التنورة وربما ستي هي الحصيرة
هي كشك البلاس والفتات على الحضن من الحمّوصة
من بنان العروسة وشرّابة المهرّج العابر على طربون
الطريق وخصلة الفرفحين. وأنا الحادثة تلك
والرصاصة تلك، وكيف حطّت
مسرعة في الثنايا، في الأنثى العابرة
وفي اللغة من ثغر القرية
ومن المسافة البضّة وقال قلم المحقق إنها
بين الترّ والفرّ، وهي البين هي بين داخل الجسد
الحيّ. وأنا ارتويت سابقاً
من ثدي أمي
من النهد لدى الجارة السميكة الرغيف
ومن الساقية حليباً
قادماً حاملاً نكهة الحمض النووي
والرغيف سألني أي فم وإبريق الحياة من السيدة
جرثومة الأعالي من المستهامة ومن ريشة القبعة.

◄ الهالة
تضمّني وكأنني سأذهب إلى أموالي خارج
البنك وفي حضن الهيولى.
وكأنني أقنوم الجسد والنغمة عابرة الجيران
والمتعبة تحت الشمسية تحت وافر المطر.
وسافر والصاعقة وإياك والأنين لا تفعل ولا تنثرني
حصاة أو اثنتين ولن ترمي إحداهما
على الجيران وسيماء البحيرة أو البركة لدى الجيران.
وكأنني كي تأخذني أنا البطة
ولن تصطادني لئلا يفور البلل
وترتمي الكأس على اليابس فالانكسار.

وتنفرط سريرتي وربما سروالي وربما
الأقحوانة ما زالت عزباء والتاء
معطفها الأخير وترغب في راحة الحلقوم كي يبقى
على لسانها مذاق الحرية.
والدمعة على خدّها تنظر إليّ أنا السمانى والعسكري ربيب الفصول
وما زالت أنا أنظم القلادة وأبتكر الغرف
وما زالت الورقة وليست خرساء
وبي حاسة الركض وأقفز من فوق إلى تحت
على مقربة من البيدر من نقطة الندى
من النهر وليس في أملاكي.
وأركع والكلمة على الوتيرة الديباجة
على منبر الطنافس والمخمل
لن ينتظرني حين الإياب.
ويعروني البرد ورعشات قطيعي
وغير الغير منذ الحصاد ومنذ يمرّ
القطار وقطا العافية فوق قرميدتي،
فوق كهنوت القصيدة وعلى قامتي
هالة القدّوس.

◄ تغرق
العمر باذنجانة في خلّ الإناء
سأعثر على غزال الأنين، على الحطام المبرقش
وتلك الرائحة لا من النعناع
بل هو ذا بيت جدتي وهو ذا الريحان زينة الوجود
ولا يقعد أبو نواس على الطبلية
ولا تحرحر الأركيلة
ولا يسكر المتحف
ولا سجادة الفسيفساء
وكتفي للنعش
والعشّ هو المساء
لا يقلع الريشة
ولا يبدّد الثروة على الاعتذار.
ولا نرثي حبة الحنطة
بل نصفق
إذ تغرق ثم تغرق.

◄ الثائر
هنا جرثومة وعلّيقة
والكبوش لون التساؤلات
والبرغشة راجعة
إلى دم الوطن
وسوف السروة لن تسهر
والظلال ستهرب من الانتحار
وتترك الروب والميجانا
وعلى الحروف أن تتوحد
ويضرب الجرن وجع المختار وخراب بطنه
ولا مسدس بل يثور قرناه ذاك الساعور
ويهدم تكشيرة التراب ومنزل الثعلب
وربما يرجع الأرنب إلى ثدي القافية.

◄ أن
الابتهال وأن نوطّد الأسلوب
وأن نحمل على الراحات اللهب وأن نحلّق
قبيل الوطن والخليلة الثريا
والعاصفة وأن تكون المطربة الترغلّة
وأن تكون حارّة اليدين
حين العناق وحين الذهول
وحين الحصن ضيّق الفتحات
وحين البرنيطة تغطي النار
وربما نرسو والقادة والرصيف
ونعض المدية والآن نظل
والبصيص والسهرة والعزف لتسمع العودة
وأن يكون العرس هو شتلة الصبا والمكتبة
ضد الجفاف وضد الضمور ذلك الأرعن.

◄ فيء
الكلمة هي الحلبة أصفّر لها وتنزل الشجاعة
إلى السعة والسيد الشتاء يعزّي القافلة والدم يعزّي الحرب
وحبّذا الدوار وأن نتغيّر على هواء البحر
وحبّذا المنحدرات وأن نكرج
إلى فيء البلاد وأن نقوم
نعثر على شعيرات على هنيهات
ثم نجوع لنأكل وأن ندرك المهزلة
وتمتدّ بحّة البشرى وتسعل المرأة.
ونحتشد في الصالة
ونسمع الغراب المتناقض
وماذا حين نخلع الجارور
وماذا صندوق الحداد
والزنبقة التي من الهجرة
ولا إثم هنا بل قداس المغفرة.

◄ لست
مرآتك لا تراني
وسيارتي خارج الإسطبل
ولست الذبول والغم الأعوج
أو الدولاب والراعي وعنزة القمم
ولا ماء في القرية وفي الجوار الناصع
حتى البارحة المدلّلة عطشى
وقريتي أنا وكذلك الصمت النعسان
ولنا قربى ونطرطش القارئ
ونبتلع قرص المخيلة.

* مقتطفات من مجموعة جديدة بعنوان «أنت والأنملة تداعبان خصورهنّ» (دار نلسن ـ 2022)