ترجمة:محمّد الشّرقي
1.

قد يكون هناك ملمح فردوسيّ في الإيروس القديم الذي نعثر في المغاور على آثاره السّاذجة. لكنّ هذا الملمح ليس واضحاً تماماً. ومن المؤكّد أنّ سذاجته الطّفوليّة امتزجت، منذ ذلك الوقت، بثقل ما، ثقل تراجيديّ من دون ريب. وفي الآن نفسه ثقل كوميديّ. ذلك أنّ الإيروس والموت مرتبطان. كما أنّ الضحك والموت، والضّحك والإيروس محکومان بنفس الرّباط. لقد رأينا الإيروس مرتبطاً بالموت في أعماق مغارة لاسكو.

أُحْفُورَةٌ منْ مغارةِ لاسكو

ونحن نعثر، ها هنا، على كشف غريب، كشف أساسيّ، بحيث لا يعود بمقدورنا أن نفاجأ بالصّمت — الصّمت اللّامفهوم — الّذي تلقّف وحده، في البداية، لغزاً مكتظّاً كهذا [...] يتعلّق الأمر بلغز باعث على اليأس طرح نفسه منذ فجر الأزمنة. لسنا مطالبين، في الحقيقة، بحلّ هذا اللّغز. لكن إذا كانت وسائل حلّه تعوزنا، فليس في مكنتنا الفرار منه، إذ إنّه، رغم لا معقوليّته الأكيدة، يقترح علينا، على الأقلّ، أن نعيش في أعماقه، ويطلب منّا، باعتباره أوّل سؤال إنسانيّ، أن نهبط إلى قرار الهاوية التي يفتحها فينا الإيروس والموت.
2.

كان لإيروس القدماء مظهر طفل يافع. لكن أليس الحبّ مقلقاً جدّاً بحيث يبعث، في النّهاية، على الضّحك؟ إنّ أساس الإيروس هو النّشاط الجنسيّ. غير أنّ هذا النّشاط يقع تحت طائلة الممنوع. الحبّ ممنوع، اللّهمّ إذا تمّ في السرّ. ولكن إذا كنّا نقوم به في السرّ، فإنّ الممنوع يحوّل وينير ما يمنعه بضوء قاتم وإلهيّ في آن. لكنّ هذا الضّوء ليس فحسب ذاك المنبعث من الإيروس، بل ينير الحياة الشعائريّة في كلّ مرّة يحضر فيها العنف الكامل الذي يلعب في اللحظة الّتي ينحر فيها الموت ضحيّته وينهي حياتها... إنّ حروف المقدّس مكتظّة بالقلق، والثّقل الّذي يملؤها هو ثقل الموت عبر التضحية، حياتنا بأكملها مأهولة بالموت. لكن، في أعماقي، يأخذ الموت النّهائيّ معنى انتصار غريب. إنّه يغمرني بنوره، ويفجّر في داخلي ضحكاً لا نهاية لفرحه.

3.

إنّ عنف الفرح المنخطف عميق الغور في قلبي. وفي نفس الوقت أرتجف وأنا أقول بأنّ هذا العنف هو قلب الموت: إنّه ينفتح في باطني! والتباس هذه الحياة الإنسانيّة هو التباس الضّحك الأهوج والدّموع. فالحياة قائمة على صعوبة المواءمة بين الحساب العقلانيّ، الّذي يؤسّسها، وهذه الدّموع الممتزجة بالضّحك الرّهيب [...] نعلم بأنّنا لا ندخل بسرعة إلى ثروة الممكن.

* «عن دموع إيروس» (منشورات 18/10 ــــــ 1971)