هؤلاء الذين نسميهم المشاة فئة من الناس سائرة إلى الانقراض. فلم يعُد يظهر الإنسان إلا وهو راكب شيئاً، سيارةً أو باصاً أو قطاراً أو دراجةً أو طائرةً أو باخرة أو مصعداً كهربائياً أو درجاً متحركاً، أو أي شيء آخر من هذا القبيل. والكراسي نفسها في البيوت أو المكاتب بات بعضها يتحرك على عجلات.بلى، ما زلنا نرى هنا وهناك بعض الناس الذين يستعملون أقدامهم، للانتقال من مكان إلى آخَر، ومعظم هؤلاء يفعلون ذلك بناء على نصيحة الطبيب.
ومثلما كان هناك إنسان العصر الحجري، وإنسان العصر البرونزي، وإنسان عصر التجار، هناك اليوم إنسان عصر الكهرباء والإلكترونيات الذي يمتاز عن أسلافه بقعوده، بعد أكثر من مليون سنة من الركض والوثب والقفز وتسلق الأشجار والسباحة والعراك مع الحيوانات والحشرات، ومع غيره من البشر.
إنّ من حق هذا الإنسان أن يرتاح ويسترخي بعد مسيرة تطوره الطويلة والشاقة، وهذا ما يجهد مصممو حياتنا الحديثة لتوفيره له، ففي كل مكان يكون فيه الإنسان أو يذهب إليه، تناديه أشياء كثيرة للتوقف إن كان ماشياً، وللجلوس إن كان واقفاً، فيستجيب لذلك ممتناً وشاكراً سواء أكان متعباً أو غير مُتعب، فالمهم في النهاية هو القعود.
لا وضعَ مسيئاً للناس
مثل وضعهم عندما يكونوا مارّة
على أرصفة المدن
فهم آنذاك
ليسوا سوى أحجام
نعمل على أن لا نصطدم بها!