تمارس «جامعة بيرزيت الفلسطينية» دوراً مهماً في النضال الوطني الفلسطيني على أكثر من صعيد، وفي مقدمته التعليمي/ الأكاديمي، والذي هو في الوقت نفسه نضال وطني قومي. الجامعة ـــ يبلغنا الكاتب عبد الرحيم الشيخ ـــ أنها كانت مدرسة في البداية ثم استحالت كلية، وأخيراً جامعة. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد سجلتُ في الكلية عام 1967 لإكمال تعليمي ما بعد المدرسي، وكنتُ وقتها في ليبيا /الحزينة، وكانت في ذلك الوقت تقدم دراسة صفين جامعيين هما، على ما أذكر، فرشمان وصفمور، لكن عدوان حزيران وإضاعة العرب، مرة أخرى، بقية فلسطين، مجاناً عبر هزيمة مريعة، منعتني من الالتحاق بها. قصدي من ذكر هذا الأمر التنويه إلى سمعة الكلية حتى في ذلك الوقت، وكيف أنّ مربي ومثالي الأعلى، والدي المرحوم، قرر إرسالي لإكمال دراستي العليا فيها. التطورات شاءت أن أكمل دراستي في المملكة المتحدة.هذا الصرح التعليمي الأكاديمي/ الثقافي جزء من تاريخ فلسطين الحديث، وُلِدَ عند بدء الاحتلال البريطاني عام 1917، ومؤلف عبد الرحيم الشيخ، الثمين، يسرد المحطات الرئيسة في تاريخه وتطوره، أيضاً، وربما على نحو أساس، عبر متابعة سيرة المربي الفلسطيني الراحل جابي برامكي الذي لم يتمكن من كتابة المؤلف فتولى هذا العبء السيد عبد الرحيم الشيخ بالتعاون مع الراحل في عام 2012.
تاريخ هذا الصرح التعليمي الأكاديمي/ الثقافي وتطوره

لأن المؤلف مرتبط بحياة المربي جابي برامكي، فمن الطبيعي أن يبدأ بسيرته منذ ولاته في عام 1929، غير متجاهل ظروف عائلته التي ولد فيها مع مرور مقتضب على عالمها حينذاك. لذا، فإن الجزء الأول تقديمي يضم «سيرة جابي برامكي وجامعة بير زيت 1929-2012».
الفصل الأول «من القدس إلى بير زيت: بئر الذاكرة الأليفة» تناول الحقبة الأولى من تاريخ الجامعة (1929-1946) التي بدأت مدرسةً أسسها آل ناصر. هذا الفصل يضم الكثير من المعلومات التفصيلية عن المدرسة والحياة فيها، غير الممكن ذكر جميعها في المساحة المحدودة المخصصة للعرض، لكن منها: البنية والبناء، والحياة اليومية وعلاقات المدرسين بالطلاب وتقسيم الفِرَق الرياضية بحسب ألوان علم فلسطين، مشاركة قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك في مناسبات المدرسة، وما إلى ذلك.
الفصل الثاني «من النكبة إلى النكسة: ذاكرة حربين بين بيروت وبير زيت» خصصه الكاتب لـ «المرحلة الأردنية» الممتدة من مؤامرة حرب تقاسم فلسطين بين دول مشروع سايكس- بيكو في عام 1948/1949، حتى هزيمة عام 1967 وتأثيراتها في المجتمع الفلسطيني الذي عانى جزء منه الطرد مجدداً من بلاده ومحاولة محو الاسم فلسطين من الخريطة والذاكرة. في هذه المرحلة، تحولت المدرسة إلى كلية والصعوبات التي وضعها نظام عمان في وجه المؤسسين محاولاً منع ذلك وإجبارهم على تأسيسها في عبر الأردن.
الفصل الثالث «جامعة بيرزيت في مواجهة الاحتلال الصهيوني» الذي خصصه الكاتب للمرحلة الممتدة من بدء استكمال العدو الصهيوني احتلال بقية فلسطين (الانتداب) إلى عام 1974، والتي شهدت تدشين أول صف جامعي والمواجهات، التي يصفها، بالسريالية، مع سلطات الاحتلال. الفصل هذا يرصد أيضاً النضال الفلسطيني تجاه سياسة العدو التي جعلت من الكلية، المتحولة جامعة ومركز تنوير وطني ومخبر هندسة الوطنية الفلسطيني، بحسب الكاتب، إلى هدف عسكري. فالعلم سلاح أساس في كافة المعارك من أجل التحرر والتقدم، وصروح العلم منابر مقدسة، والكلام لنا.
الفصل الرابع «جامعة بيرزيت في مواجهة الاحتلال الصهيوني»، خصصه الكاتب لما رأى أنها المرحلة الثانية من الاحتلال الصهيوني، والتي انتهت في عام 1993، أي بتوقيع اتفاقيات أوسلو الاستسلامية، والصفة لنا. الفصل يركز على كون جامعة بيرزيت أنموذج تأسيس شكل مرجعاً لولادة مؤسسات تعليم عالٍ فلسطينية أخرى. والفصل يسرد بالتفصيل محطات نضال الجامعة، إدارة وهيئة تعليمية وطلاب، ضد سياسات سلطات الاحتلال التي عملت على محاولة وأد هذه التجربة التعليمية/الوطنية الرائدة.
الكاتب خصص الفصل الخامس والأخير «جامعة بيرزيت من جدلية الوجود إلى جدلية الجوهر» لمرحلة قيام السلطة الكاريكاتورية (والصفة منا)، في رام الله عاملاً على توثيق مسار التحولات في ظل السلطة الجديدة، إضافة إلى تقديم قراءة نقدية لأنماط المقاومة التي آمن بها جابي برامكي، أي المقاومة السلمية.
المؤلف مهم، لكن كان من المفيد أن يعمل الكاتب على التعقيب على فكر المربي جابي برامكي الذي ارتكز إلى المقاومة السلمية، والذي أشار إليه أكثر مرة في عمله، وما إذا كان هذا الفكر قد نجح في أي مستعمرة، علماً بأن قيادة العمل السياسي الفلسطيني انتقلت إليه منذ عام 1974 عندما قررت التخلي عن فلسطين لصالح دويلة هزيلة لن ترى النور. أخيراً، عرضنا هذا لا يغطي كافة محطات مسيرة المربي الراحل المثيرة للإعجاب أيضاً.