كنت قد توصّلت في كتابي «سنة الحية: روزنامة العصور الحجرية» الذي صدر حديثاً إلى أنّ سنة العصر الحجري القديم الأعلى (45 ــ 17 ألف سنة) والعصر الحجري الوسيط (17ــ 10 آلاف سنة) تتكوّن من 364.5 يوماً، مقسّمة إلى ثلاثة أقسام، كلّ واحد منها مكوّن من 121.5، ومن تسعة أشهر في كل شهر مكونة من 40.5 يوماً. كما توصلت إلى أن تقويم هذين العصرين لم يكن توقيتاً شمسياً ولا قمرياً، بل توقيتاً يستند إلى حركة الماء العذب في الكون، وعلى الأخص حركة الماء السفلي الكوني. فالكون عند القدماء يتكوّن من صنفين: عذب ومالح. أما الماء العذب فيتكون من محيطين: سفلي، يحيط بالماء المالح لكن لا يختلط به، وهو المحيط الذي تتبع له العيون والآبار الارتوازية والفيضانات الدورية، وعلوي: وهو المسؤول عن المطر.


وكانوا يعتقدون أنّ لماء المحيط الماء السفلي حركتَين دوريتَين: حركة صعود وحركة هبوط. فحين تطلع نجوم محدّدة في الصيف، يتحرّك الماء السفلي صاعداً من الأعماق، لكي يتموّج على سطح الأرض كالحيّة، وتفيض الأنهار مثل نهر النيل. وكانوا يفترضون أن هذه الحركة تؤدي إلى انخفاض ماء الينابيع والآبار. ثم تأتي لحظة أخرى يتوقف فيها الماء السفلي عن الصعود، عند طلوع نجوم أخرى، لكي تبدأ عودته إلى الأعماق من جديد حيث يستقر هناك ويسكن لمدة ستة أشهر (243 يوماً). أما حركة الصعود فتستغرق 81 يوماً. أي أنّ هذه الحركة تستغرق 234 يوماً. وهناك شهر انتقالي مكوّن من 40.5 يقف بين الصعود والهبوط، لتكتمل به السنة المكونة من 364.5 يوم. وهذا الشهر يُضاف أحياناً إلى فترة الهبوط، وأحياناً يُقسم بين الفترتين.
حركة صعود الماء وهبوطه شُبّهت بحركة الحية. فللحية فترة نشاط في الدفء والصيف، تخرج فيه وتنساب على السطح، وفترة بيات تنزل فيها من خلال الشقوق إلى أعماق الأرض. وبسبب الحركة المتشابهة بين الماء السفلي والحية، فقد صارت الحية استعارة لحركة الكون ودورته. بذا فهي أقدم استعارة في التاريخ، بل أعظم استعارات التاريخ على الإطلاق. بل يمكن القول إنّ الحية في بياتها وتطويها صارت إله الكون. ولأن ظهور نجوم محددة هو الذي يبعث حركة الحيات أو يسكّنها، فقد اختلطت الحيات بالنجوم، وتبدّت الحية كما لو أنها نجم سماوي.

الحمل والولادة
لكن ما أود الحديث عنه هنا إنما هو روزنامة الحمل والولادة في هذين العصرين. فهذه الروزنامة تعتمد على حركة الماء الداخلي في جسد الإنسان، التي هي جزء من حركة الماء الكوني العذب، وحركة الماء السفلي على وجه الخصوص. فقد نُظر إلى الحمل على أنه يشابه حركة الماء حين يسكن في أعماق ويبيت فيها. أما ساعة الولادة، فهي التي يخرج فيها الماء، ماء الرحم وماء رأس الجنين، وينساب على وجه الأرض كالحيات. بذا، فلدينا في جسد الإنسان دورة مشابهة لحركة الحيات، ومشابهة لحركة الماء السفلي، أي مشابهة لحركة الكون الكبرى حركة الكون عملياً. أي لدينا فترة بيات وكمون، وفترة حركة وصعود.
ويبدو أن فترة كمون الماء في جسد الأنثى كانت في حساباتهم تتكون ستة أشهر ونصف الشهر، أي من 263.25 يوم سقط بعضها ماء رأس الجنين ويتدفّق على الأرض، وتبدأ حياة جديدة. لكن لأنه لم تكن هناك طريقة لكتاب الكسر في تلك العصور، فقد كانوا يكتبون الرقم 7 أو 6 بدل الرقم 6.5. لكن حين يريدون التعبير عن الكسر بدقة، فإنهم يضاعفون الرقم 6.5 فنصبح مع الرقم 13. بذا فالرقم 13 هو رقم الحمل والولادة. لذا ففينوس لوزيل الفرنسية الشهيرة (28 ألف سنة) تحمل في يدها قرن ثور عليه 13 حزّا هي الشهور الستة والنصف مضاعفة.

ساعة الحمل
ولدينا رسم من العصر الحجري على الصخور من منطقة نيومكسيكو في أميركا الشمالية يشبه ساعة. وهو مكون من دائرة فيها 14 نقطة. لكن النقطة رقم 14 عزلت وحدها، وأحيطت بخطين ينطلقان من المركز ليتماسّا مع النقطتين على يسارها ويمينها. بالتالي، فلدينا في الواقع 13 نقطة هي رقم الحمل والولادة التي نتحدث عنها.




أما النقطة المعزولة بالخطين على جانبيها، فتشكل ما يشبه صورة العضو الأنثوي في رسومات العصر الحجري القديم الأعلى، والعصور الحجرية اللاحقة أيضاً، كما نرى في الصور أدناه.


النقطة المعزولة تمثل شق الفرج. بالتالي، فنحن مع تمثيل للحمل والولادة.
لدينا ستة أشهر ونصف الشهر ضوعفت، فصارت 13 للتغلّب على معضلة كتابة الكسر، وهي تساوي 263.23 هي معدل أيام الحمل في ذلك الزمن. وهي فترة تزيد 20.25 عن فترة البيات الصافي المكونة من 243 يوماً، لأنها حصلت على نصف الشهر الانتقالي المشترك.
أما حين نضيف النقطة رقم 14 التي عزلت لتبيان فترة الحمل، فسيكون لدينا الرقم 283.5

14× 20.25= 283.5
وهذا هو رقم البيات الصافي مضافاً إليه الشهر الانتقالي المشترك: 243+40.5 = 283.5.
والرقم 263.5 يساوي بحساباتنا 37.6 أسبوعاً. وهو قريب جداً من معدل الحمل في أيامنا الذي يبدأ من 38 أسبوعاً ليرتفع إلى 40 أو أكثر قليلاً عند بعض النساء. ومن المحتمل أن فترة الحمل كانت في تلك العصور أقصر من هذه الأيام لأن عمر الناس كان أقصر في الواقع.
عليه، فالحمل والولادة لم يكونا حدثاً خاصاً بجسد الإنسان- المرأة، بل جزءاً من الحدث الكوني الأشمل وتابعاً له. نعم، الحمل والولادة كانا جزءاً من حركة الماء العذب في الكون، الذي هو أساس الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حياً). ولعل ارتباط الرقم 13 بالحمل والولادة هو سر كره الثقافة الغربية لهذا الرقم. ونحن نتذكر قول أفلاطون: «الحمد لله الذي خلقني يونانياً لا بربرياً، ورجلاً لا امرأة، وحرّاً لا عبداً. وأنني ولدت في عصر سقراط». فعند سقراط المرأة عبودية وبربرية. بذا، فالرقم 13 هو رقم الأدنى، رقم المرأة، لا رقم الرجل المتفوق!

* شاعر فلسطيني