اختيار وتقديم: محمد ناصر الدينكيف يتكلّم الشعراء الشباب اليوم عن الحب؟ هل غادر شعراء الحب من متردّمِ فكما يقول محمود درويش: «لم يَبْقَ في اللغة الحديثِة هامشٌ للاحتفاء بما نحبُّ فكُلُّ ما سيكونُ... كانْ»، أم أنّ الحب هو تلك الزهرة البرية المخاتلة التي تتربّص جذورها بالفصول لتشقّ طريقها وتنبت في الصخر ذات ربيع؟ هل فعلاً هم جيل الفايسبوك والسبابة بتعبير الفيلسوف الفرنسي ميشال سير، ما يفترض أنّهم مدموغون مسبقاً بتهمة هدم هياكل «الثبات» و«اللغة» وأنهم كائنات الشعر التي لا تحتمل خفّتها؟ لكنّ الحب أجمل ما يتوهج في العشرين ويكون أقرب إلى أغنية شارل أزنافور البوهيمية في حب باريس. تجارب شبابية تكتب الشعر بحساسية عالية ولا تكترث لتقسيمات النقّاد وأصداء المعارك والسجالات التي عفا عليها الزمن. تستمع إلى الصوت القادم من الجوهرة التي في الصّدر بتعبير حافظ الشيرازي، تكتب عن الحب والأمل والألم بلا أقنعة أو تهويمات نفسية وترميز ثقافي معقّد، وإنما شذرات من خطاب محب. بعضهم نشر مجموعته الأولى منذ وقت قريب، والآخر يختطّ لنفسه سبيلاً في الطريق الصعب. هي قصائد من لسان الحب إلى قلبه في عيد الحب، ننشرها في «كلمات» ليبقى الشعر كما في ختام السورة ذلك المداد الذي لا ينفد أبداً

◄ قراءةُ الكفّ
أحمد الأمين (لبنان)

يبدأ الحبُّ من اليدين
من مكانٍ ما هناك
يؤدّي إلى القلبِ
من عقدةٍ في منتصفِ الأصابعْ
تجعلُ الجمالَ ممكناً
واللمسَ احتمالاً للحياة.
يبدأ الحبُّ من الكسرِ الغائر
حيث يتجمّعُ الألمْ،
يبدأ من أعلى الرأسِ
نزولاً إلى الكتفين
ليصيرَ الانحناءُ سهلاً في النهاية،
ينتهي الحبُّ بنقطةٍ ما
في أسفلِ الصّدر،
قادرةٍ على ذرفِ الدموع
لأسبابٍ تافهة
ينتهي الحبُّ بصوتٍ حاسمٍ
كصافرة النهاية.

◄ الكتابة إلى جوليانا وباريس
ميشيل الرائي (العراق)

في تلك الليلة
كنتُ وحدي مع غابةٍ متصدّعة بالقمر
تعجُّ بالقبعات
داخلَ عيونك الغريبة
تنامُ تلك الأوعية التي مزاجها متشرّدٌ
إنّهُ مرضي
يأتي من نهاية العالم
يأتي بينما
المدينة بأكملها
صفيرٌ
رمالُها قيثارات تقطر دماً على قمصان بيضاء
ساعاتٌ بطيئة تطبخُ بداخلها المزيد من السعادة
شبحٌ باطنيٌّ يعودُ على عكّازات من المعارك.

◄ خطوط التعب الطويلة
باسل الأمين (لبنان)

حُكّي يدي بأظافرك
إنّ لي قلباً هناك
على خطوط التعب الطويلة
الأصابع ببساطتها
قلبٌ يحتاج من يحكّه
من يمسح عنه وحدته الطويلة
مثيلة الطرقات المشجرة
التي عبرناها في مخيّلتنا
مع أحدهم
إذ لا يمكننا
حتى في رؤوسنا
أن نعبر الطرقات وحدنا.

◄ رحيل
محمود وهبة (لبنان)

الصدر مُلقى على العتبة
في الخارِج
رجُلٌ يكنسُ هذا البرد بدمعة فوق الخد
السلاسل نقصها فقط حلقة
لكي تكتمل
إنها قلبك.
■ ■ ■
بكثير من الاحتياط
أرمي يدي الساحرة في الجو
أبادلك التحية
بلا وجل أو خوف
وبعيداً من الخسارة
أريدك هذه الليلة أيضاً
كوردة بلا رائحة.
■ ■ ■
لن أعدك بالنسيان
لن أجد امرأة أخرى
أعدكِ بأن أرخي الظلال على ركبتيك
أعدك بالهدايا
وبالكتب السميكة
بالشجيرات الَّتي تُنْبت زرعاً كثيراً
بسماء صافية أعدك
وَبِأخْطاء كَثِيرة نرتكبها معاً.

◄ أنهار تصبّ في جثة واحدة
مروى بديدة (تونس)

رأيتكَ في منامي أميراً
يجفلُ حصانكَ الرماديّ فتروّضهُ مراراً
ثم تركبهُ مسرعاً نحوَ دروبكَ المجهولة
بعينين خجولتين وسحنةٍ ذابلة
غادرتَني خائفاً وجِلاً
تاجٌ ثقيلٌ على جمجمتكَ
تقاطعت فيه أقواسُ قزح وغيوم وبحار هائجة
حبٌ كبيرٌ يحبطُ جبروتكَ
آه!
ظهركَ العريضُ ينحني مجدداً
عدتَ إليّ آسفاً
تركتَ رفعتكَ وأحلامكَ الصّعبة
مرةً ثانيةً تمدُّ يدكَ نحوَ أصابعي
بتهذيبٍ ودونَ وضوحٍ ينتهي الحُلم
نورٌ يسطعُ من طبقةِ أظافري
بلا توسُّل
ينسكبُ فمكَ الحارُّ في فمي!

◄ أسماء الأيام
لين نجم (لبنان)

إنّه الخميس مجدّداً. هل صرت تدرك ما يؤول إليه هذا؟ إنّه اليوم الّذي التقينا فيه. اليوم الأحبّ إلى قلبي. ألم تنتبه في كلّ خميس كيف تتغيّر نبرة صوتي وتصير أكثر رقّة وحزناً. الأصوات الحزينة يشوبها جمال خفيّ، لا تكون جميلة إلّا بحزنها. عليك أن تفهم في هذا الخميس وتلتقط إشارتي. وقل لي أنّني خرقاء ولكن ظريفة. وبالمناسبة، أنت ظريف أيضاً وجميل. جميل جدّاً. الآن عدت إلى ركاكتي. عدت إلى وصف وجهك بالجمال. لا يعرف الحبّ إلا الرّكيكون. ألم أقل لك ذلك؟ أنا أقول لك الكثير من الأشياء أصلاً، ولكن أنت لا تلتقطها. ربّما أنت ضائع. لا تخف هذا الضياع طبيعيّ. يقولون لي إنّني لا أعرف ما أريد لأنّني لا أستقرّ على شيء واحد فقط. هذه حذاقة في المعاملة. أنا بنت ذكيّة. أعرف كيف ألعّب الأشياء على أصابعي. إلّا أنت، أخسر أمامك دائماً. لا تسعد كثيراً لذلك لأنّني أخسر بيدي، لأنّني ليّنة معك. لو عدت إلى ذكائي، فلن يعجبك الأمر أبداً. ولكن لن أعود الآن. أنا بنت هنيّة أيضاً. كان عليهم أن يسمّوني «هناء». الأهل عادةً لا يعرفون انتقاء الأسماء بشكل جيّد. تقول تاتا أنّ اسمي خُلقَ لي، على مقاسي. ولكنّني أغلّطها القول. أنا لديّ ليستة في الأسماء المحبّبة. يحلو لي أن أُسمّى كلّ يوم بإسم. مثلاً، يوم الإثنين: ليلى. يوم الثّلاثاء: هناء. الأربعاء: تيريز. الخميس: على ما يبدو أنّ الخميس لك فقط، سمّني بما يحلو لك.

◄ قلب ينازل الحب بقفازات مهترئة
عثمان الدردابي (المغرب)

هذا الذي دعستِه بقاع كعبك
كصُرْصُور
وأنت تصرخين
لتتغلبي على خوفك
وتقززك
هو بالمناسبة
قلبي
■ ■ ■
لأجعل امرأة تسقط في قلبي
ملأته
عن آخره بالثقوب والحُفَر
■ ■ ■
مزهريةٌ عند حافة الطاولة
معرض
للسقوط في الحب
في أية لحظة
■ ■ ■
من منكم وضع قلبي
عند مقدمة مثلث الكُرات
على طاولة البلياردو!
■ ■ ■
منفضة السجائر على طاولتك
لا تشبه قلبي
ولا احتراقُ السيجارة
أو رئـتـاك
قلبي
منفضة السجائر
على طاولة المرأة التي
لا تدخن.

◄ ورطة كبرى
علي شمس الدين (لبنان)

أن أحبك يعني أن الشجر 
يصفر على 
الأوراق 
الأوراق بنات الضجر 
 ... الضجر 
■ ■ ■
ورطةٌ كبرى
يدي شبّت عليكِ
قلبي شبَّ عليِكِ
والماءُ
شبَّ عليكِ
■ ■ ■
شيءٌ ما
أصاب السّفينة،
هرّبي العصافير
والغزلان
وكلّ من يحبون
وكلّ من يكرهون،
لن أنجوَ: أنا ذاهب إلى الحانات والمقابر
وتذكّري بعد الطوفان
أنّي كنت اليمامة

◄ في هذا الطرف ظلّ واحد
صفاء اسكندر (العراق)

لكِ أن تدخلي قلبي
وتتأكدي من ذلك العفن الذي صنعه ابتعادكِ
وتلتقي بالأغاني التي أردّدها
عندما ينتهي الليل
ولم أقرأ بعدُ الكتاب الغافي على صدري
لأن يدَكِ نسيته
عندما كنست كلّ شيء
في الجوار مني.
ولأنني لم أعبر الفجر بعد
كان من الجيّد أن أكتب لكِ عن الوردة الذابلة
قرب نافذتي
كانت تستسلم للذبول مثل وجهي
من يدري
لعلكِ قلتِ: وداعاً (بلا صوت)
مثل الأجراس الخربة
حتى لا يستيقظ قلبي لموته مرة واحدة
لكنه استيقظ لموته أكثر من مرة واحدة.

◄ البكاء أسهل من ارتداء حمّالة صدر
محمد رضا (لبنان)

قولي للرجل الذي تحبينه
أنه لا بأس من أن يبكي على كتفك
أخبريه أنّ البكاء أسهل من ارتداء حمالات الصدر
وترطيب البشرة
اطلبي منه في كلّ مرة أن يبكي أكثر
أخبريه عن حزن الأزهار في المساءات
ونعومة القش
وهشاشة الغيم
قولي له إنّ الأحزان الكبيرة ستمر
لأنها ليست أكبر من حدقة العين
وإن الدموع التي يخرجها الآن إلى السطح
لتكون كالجنائز
لن يحضرها أحد
ولن يهيل عليها التراب سوى حفّاري قبور
جاؤوا من أجل أجور زهيدة
ولم يبقوا لقراءة الفواتح .

◄ حرب باردة
عامر الطيب (العراق)

كبرتُ على الحب الآن
لم أعد أدخن لصق نافذتي متأملاً
الأمطار التي تهطل ببطء
كأقدام الغرباء.
لم أعد أرن الأجراس
دون أن تكون لي حاجة
أو أكتب على الجدران التي أتمنى زوالها.
لقد كبرتُ وصرت أجفف
دموعي بكمي متقوياً
كمن يرمق الطيور الميتة في قصيدته
هكذا أعزي نفسي بنفسي.
من شرفتي تصيح النجمة كفتاة متطايرة
فأفرش لها المرايا
المكسورة على هيئة أنهار!

◄ في زمن الخوف
ميرنا عيط (لبنان)

أحبك
كمن يعانق حرية
تقضم الأحجار.
أحبك
كمن يحاول الضحك
أول الليل.
أحبك
كشَرِهٍ أنقذ طفولته من نار تتأرجح فوق كرسي.
أحبك
أول الغيب
عند أول عصفور
أطلقه الله ابتهاجاً بالخلق.
أحبك
وفي يدي مكنسة الوقت
على حذاء متسول
ألقى ما تبقّى من الصلوات
في بحيرة.
أحبك
حين أخاف
فأصير ورقاً من نحاس
وإزميلاً من غضب.
أحبك
في غبطة الأرق
المُتوسِّد أرجاءَ الهواء المسنون
كالقبعات الحمر أسفل الضحك.
أحبك
حين أنزلق
على أسنان مشوهة.

◄ حداء
زنوبيا ظاهر (لبنان)

هلْ تعلمُ أنّي
قَطَّعتُ شَرايينَ يَديْهْ  
ثمَّ وقفتُ في المرآةِ أُحَدّقُ مذْهولةً
بِسحرِ القاتلينْ  
جسَدي الذي
شَبَّ كالحصانِ في وجهِ دَمِهِ
الحصانُ الطالعُ 
الحصانُ الراكِضُ
الحصانُ الراقِدُ
الحصان المُتّكِئُ على أَفْعاهْ
الحصان الشيخُ المحفورُ وجْهُهُ في صخرةٍ
وفي شُعاعْ
لمْ يَعُد يَشُبُّ كالأنبياء في وجهِ افْتِراسي.