خضع كتاب «ألف ليلة وليلة» لأكثر من عمليّة ترميم لجهة الحذف والإضافة، سواءً في نسخته العربية أم في اللّغات الأخرى، ولكن بمقاصد مختلفة. في حين اعتنت النسخة العربية المتداولة بتشذيب الحكايا من المفردات الخشنة تحت بند «نسخة منقّحة» لإضفاء نوع من الحشمة على المخزن الأم للمخيّلة العربية، اهتم مترجمو «الليالي العربية» بوضع حساء استشراقي يعزّز الجرعة الإيروتيكية لهذه الوليمة الشرقية الباذخة، بالإضافة إلى العبث بأصول الحكايات، على غرار ما فعله أنطوان غالان (1646 ــ 1715) في النسخة الفرنسيّة، بدمج حكايتَين في متن الليالي، من دون الإشارة إلى صاحبهما الأصلي وهو شخص حلبي يدعى حنا دياب. أما الحكايتان، فهما «علاء الدين والمصباح السحري»، و«علي بابا والأربعون حرامي». أمر سيرويه حنا دياب نفسه في مذكراته «كتاب الرحلات» الذي وُجد في مكتبة الفاتيكان متأخراً. في هذا الكتاب، يحكي كيف التقى غالان في باريس عن طريق مستشرق فرنسي زار حلب في القرن الثامن عشر، واصطحب المغامر الحلبي معه إلى فرنسا قبل أن يعود إلى مدينته خائباً. أما النسخة الإنكليزية (1885)، فقد خضعت هي الأخرى لتشويهات مقصودة على يد ريتشارد فرانسز بورتون، بإضفاء مسحة عنصرية ونكهة استشراقية ذكورية تحط من قدر المرأة.

ما أعاد «ألف ليلة وليلة» إلى الواجهة اليوم، الجهد الذي بذلته الكاتبة الفرنسية السورية ياسمين سيل في إعادة ترجمة وشرح هذا الكتاب السحري (تحت عنوان The Annotated Arabian Nights: Tales from 1001 Nights ـــــ دار ليفرايت) إلى لغة شكسبير من منظور آخر، وبلغة أنثوية تبدو كما لو أن صاحبتها شهرزاد أخرى. ووفق ما يقول المؤرخ باولو ليموس هورتا، صاحب كتاب «لصوص رائعون: مؤلفو الليالي العربية السرّيون»، ومحرّر النسخة الإنكليزية من الكتاب: «حتى لو كان كل ما حقّقته الترجمة الجديدة لـ «الليالي»، هو الإطاحة بترجمة بورتون عن المنصة التي بقيت متربعة عليها، فهذا يكفي».
توضّح ياسمين سيل بأنّه «من المغري أن نرى العلاقة بين أنطوان غالان وحنا دياب على أنها علاقة عالم الإثنوغرافيا والمخبر المحلّي، وأن نستنتج أن الالتزام بإنهاء استعمار «الليالي العربية» يعني وضع اسم الحكّاء الحلبي على الغلاف، لكنّ الأمر أكثر تعقيداً، على ما أعتقد. ذلك أنّ مساهمة الحلبي، هي مجرد- أداء شفهي- مسجّل في بضعة أسطر في يوميات غالان». هكذا أعادت سيل إلى الشخصيات النسائية المحذوفة ما تستحقه من حضور نوعي في «الليالي»، بالإضافة إلى اعتقادها بأن أصوات وإيقاعات «الليالي العربية» يمكن إعادة صياغتها باللغة الإنكليزية بشكل أكثر فاعليةً وإثارةً.