دسّ مراهقٌ أبهق، من موزّعي الإعلانات الورقيّة، من فتحة باب المنزل حزمةً، يعضد كبيرها صغيرها في محنةٍ لا تدوم في كيس النايلون الشفّاف. قبل أنْ أشقّ الكيس لإخراج سجنائه الورقيين، كي تبدأ رحلة الإغراء باللون والسعر وصور أرباب وربّات الوسامة والجمال من شبّان وفتيات الإعلان، جذبتني نقوشٌ وزخارف كتيّبٍ، ميّزتها فرادتها، تتباهى بين بضائع الغرب القاسية.جماله يبرز من بين حزمة كتيّبات الإعلانات الأكبر منه حجماً. كأنّها تحاول إزاحته، موقنةً بفتنته الطاغية، لكنّه كان باسلاً في إبراز زخارفه الساحرة.
وحده، الكتيّب الشرقي الغلاف هذا، استقرّ بين كفَّيَّ، بعدما شققت أعلى الكيس. رحت أتصفّحه مفتوناً، غير مبالٍ بما تمدّد، على مقربةٍ، من رفاق رحلته، مبعثرين، على الطاولة.
أغرتني صفحاته، المزيّنة بالزخارف الدقيقة المتعدّدة الألوان، بزيارة متجر السجّاد الذي تعرض دعايته تخفيضاتٍ في الأسعار.
سجَّاد بازيريك مكتشَف في جبال آلطايْ (متحف موسكو ـ تفصيل)

فرادة كتيّب الإعلان الفارسي التصميم، ليست نفسها في بلدانٍ بشمال أفريقيا أو أخرى شرقيّة، ممتدّة، عمقاً، بتاريخٍ ثقيلٍ من الفنون والآداب والعلوم، صيّرتها قبلة العالم في أيّامٍ غابرة. أيّ إعلانٍ غربيّ في بلدٍ شرقي لنْ يكون بذات الفرادة التي نجدها في إعلانٍ شرقي ببلد غربيّ، بسبب سطوة العولمة وشيوع النمط الغربي، والأميركي خصوصاً، حتى في البلدان الشرقيّة، فأصبح المخالف لهما لافتاً للانتباه، وربّما سيكون نادراً لو استمرّت تلك السطوة تطوق حياتنا. لمْ أدخل المتجر، سابقاً، خلال مروري بجواره. كنت ألمح موظّفةً سمراء تدلّ ملامحها على أنّها من دولة السورينام، إحدى المستعمرات الهولنديّة السابقة، تجلس خلف طاولة الاستقبال، ورجلاً يحادث الزبائن يرغّبهم ببضاعته، أو منشغلاً أمام شاشة الحاسوب، في مكتبٍ زجاجي.
مدفوعاً بإغراء الإعلان، ها أنا ألجه، ثاني مرّة، مع بداية الأسبوع، بعدما بحثت في محرّك البحث غوغل عن معنى اسمه: بازيريك.
كانت المرّة الأولى قبل ذلك بأربعة أيام، وجدته مزدحماً بزبائن هولنديين وإيرانيّين وأتراك، بعضهم تجّار صغار يفضّلون الركون للأمان ببيع المفرد من السجّاد على ركوب قارب المجازفة بتجارة الجملة التي تستوجب ثباتاً وقوّة قلب. غادرت المكان، مكتفياً بنظرات فضولٍ لزخارف السجّاد المتعدّد الأبعاد والألوان، مفضّلاً زيارته في أوّل الأسبوع حيث تكمن حركة الزبائن، ويختفي صغار التجّار، منشغلين بإعداد حسابات الأسبوع، وجداول تحصيل الأرزاق بما درجوا عليه من خبرةٍ وحيلٍ حميدةٍ وخبيثةٍ، تسهّل استدراج زبائنهم. بدا المتجر، الواقع على كتف مركز المدينة التجاري، واسعاً، تتدلّى ثريّات سقفه بتراتبٍ متقنٍ، وتتوزّعه نماذج من السجّاد الفارسي المصفوف، مفروشاً، فوق بعضه، والمنشور على الجدران بألوانٍ ونقوشٍ حميمة وزخارف دقيقةٍ متشعّبة الخطوط والمنحنيات؛ الحلزونيّ والمثلّث المحاط بنجماتٍ ثمانيّةٍ وعشريّةٍ واثنتي عشريّةٍ، تحمي بعيونها، المفتوحة، أبداً، فرساناً عائدين أو ذاهبين إلى الصيد، وغزلاناً وسباعاً تتناسل في سلامٍ انعكس على رقع السجّاد.
في ركنٍ، ازدحم بسجّاد حريريّ متباهٍ بحروف الجلالة، بالأحمر القاني والأزرق الداكن، ثمّة دراويش يدورون حول شيخ الطريقة في ليلةٍ هبطت فيها السماء، مقتربةً من مسجدٍ غصّ بالمريدين، يزاحمون، في الطاعة والتعبّد، بلا كللٍ، ملائكةً يحلّقون في هواءٍ ساكنٍ يهمّون بالنزول.
المكان خالٍ إلّا منّي، ومن موسيقى فارسيّة الإيقاع، يزاحم فيها السنطور الرزين آلة الجوزة الحزينة، بخلفيّة إيقاعٍ وئيد. مشيت بخطى هادئةٍ إلى المكتب الزجاجي. سمعت حركة تشابكٍ وهمهمةٍ تطفر منها بعض كلماتٍ مكتومةٍ، خلف جدارٍ خشبيٍّ مصبوغٍ بلونٍ رصاصي، يفصل، كمخزنٍ، طاولة الاستقبال وبهو المتجر عن عتمته المضاءة، قسراً، بحزمة ضوءٍ تسلّلتْ من زجاج نافذةٍ علويّةٍ تطوّق، مثل حزامٍ، هامة بناء المتجر. اتّجهت إلى مكان الصوت بدافع الفضول والإثارة اللذين ولّدهما صوتٌ أنثويٌّ مكتوم. اقتربت، وقد اتضحت لي صورة ما يجري من فعلٍ جنسيٍّ ينطوي على خيانةٍ ما بدلالة المكان المختار، وخوف فاعليه من الفضيحة. قبل أن أصل إلى بداية الممرّ، ضربت بحذائي الأرض، كي يعلم منْ خلف الجدار بقدومي. انتابني قلقٌ رافقه ازدياد ضخّ دم الخوف في قلبي. ربّما صديقٌ للموظفة السورينامية يضاجعها الآن هنا، ماذا لو هاجمني، فما دخلي أنا بها؟ لست صاحب المكان، ولا أمتّ لأحدٍ فيه بصلة. لكنّي لم أتراجع. مضيت بخطى صاخبةٍ، فولجت الظلمة المضاءة بما تساقط من خيوط الضوء المنبعث من الكوّة الزجاجيّة في الأعلى.
مثيراً كان ما رأيته؛ سيّد المتجر الذي كنت أشاهده من خلف الزجاج في أثناء مروري بدرّاجتي الهوائيّة، وزيارتي غير التامّة. ها هو أمامي رجلٌ ستينيٌّ طويل القامة، مكتنـزٌ، أبيض، بشاربٍ، يكسو الشيب أغلب شعره. يجلس على كرسيٍّ، فاتحاً ساقيه، وبينهما تقف الموظفة السوريناميّة، تحاول إكمال ارتداء سروالها الذي علق بإحدى ساقيها.
بقي الرجل هادئاً. مرتبكةً كانت الموظفة، تكمل ارتداء سروالها، فشاهدت لون ساقيها تكسو سمرتهما صفرة. بعد انتهائها من ارتداء السروال، اتجهتْ نحوي بابتسامةٍ مذنبة. مشينا إلى باحة البهو، قالتْ، بصوتٍ مسموعٍ، إنّها كانتْ تساعد صاحب المتجر بتدليك ساقه الموجوعة.
تبعنا صاحب المتجر، فغادرت الموظفة إلى طاولة الاستقبال قرب المدخل. نظرته متحدّية. لمْ يتحدّثْ عن جلوسه مع موظفته، مختبئيْن، خلف الجدار الطويل. كان واثقاً من نفسه كثيراً. ابتسم بفتورٍ عارضاً مساعدته بكلماتٍ هولنديةٍ ذات لكنةٍ فارسيّة. شكرته، مستسلماً لنظرته الواثقة، وأفصحت له عن عدم إلمامي الكبير بأنواع السجّاد، بالكاد أعرف منه الكاشانيّ، الذي أظنّه أفضلها، مع معلوماتٍ متواضعةٍ عن تاريخ السجّاد. زادت ابتسامته، فأوضح لي أنّ سجّاد مدينة كاشان جيّد، لكنّه ليس أفضل السجّاد الفارسيّ، ثمّة النائيني والأصفهاني والتبريزي والقمّي والكرماني والأراكي. استعرض خبرته في تعداد أنواع السجّاد، قبل أن أباغته بسؤالٍ عن سجادةٍ منشورةٍ على جدارٍ قريبٍ، بطول أربعة أمتارٍ وعرض ثلاثةٍ، «أهذه أّمّ السجّاد الفارسيّ؟» ابتسم مشجّعاً «ها أنت تعلم!». منحني كلامه فرصةً كي أستردّ ثقتي أمام هيمنته الواثقة. نعم، لكن هذا عرفته أمس بعد بحثي عن اسم متجركم. قلت، ورحت أحاول تحدّيه بلغة العينين. كانت عيناه، تتفرّسان بعينيّ ووجهي لثوانٍ، كأنّهما تفتّشان فيهما عن ممسك ضعفٍ يتمكّن به منّي تماماً. ثمّ واصل كلامه «نعمْ، نعمْ، بازيريك».
عرض عليّ مرافقته بجولةٍ على أنواع السجّاد الذي تشمله نسبة التخفيض، تبعته، مسلّماً بانتصاره، في لعبة تبادل النظرات. مسح بكفّه على سجّادةٍ مفروشةٍ على عشراتٍ مثلها بألوانٍ ونقوشٍ مختلفةٍ، بانتْ زخارفها وهي تبهر العين، بدقّتها وألوانها الموزّعة بين النبيذي والبيج والبنيّ الفاتح والأسود.
بعدما اطمأن من استسلامي بفعل حدّة نظراته، سألني عن بلدي الأمّ، أجبته «نحن جيران، أنا من العراق». مدّ يده لي مصافحاً مفْصحاً عن اسمه «فريد». صافحته معرّفاً باسمي أيضاً. أهلاً بك، وأردف: «العراق يستورد كثيراً من السجّاد الايرانيّ المقلّد». قلت إنّ «العراق يستورد كلّ شيءٍ من إيران»، فابتسم بغبطةٍ زادتْ من اعتداده بنفسه، لكنّي، مأخوذاً بسطوة نظرته، أضفت: «أغلب الدول تستورد سجّادكم باعتباره الأفضل، الأصليّ والمقلّد».
هزّ رأسه مؤيّداً، وبقي بجانبي، يرغّبني، بكلامه ويرعبني بنظراته، وأنا ألمس وأتفرّس في نقوش نسخةٍ مقلّدةٍ لـسجّادة «بازيريك». ظلّتْ عيناه ترمقانني كلّما نظرت صوبه، فأزداد استسلاماً لتحدّيه وكبر سنّه ووقاره القاسي وصوته الصافي وجسده المعتدل القوام.
دخل شابٌّ أبيض وسيم طويل في بداية الأربعينيّات، يرتدي سروال جينزٍ وحذاءً رياضيّاً، تتدلّى من كتفه الأيمن حقيبة صوفيّة موشّاة بزخرفةٍ شرقيّةٍ، يعتمر قبّعة بيسبولٍ بالمقلوب، بانَ، من خلال فتحتها الخلفيّة المغطّية لجبهته، شعْر رأسه الأسود. صافح السيّد فريد باحترامٍ وتحدّثا بالفارسيّة. نظر إليّ مبتسماً وحيّاني بالهولندية، أجبته «حال شما؟». ضحكا معاً، ومدّ يده مصافحاً، «خوش آمديد» معلناً عن اسمه «رضا». عرّفته باسمي وأنّي من العراق أصلاً. واصلت كلامي بالهولنديّة: «لكنّي لا أعرف من الفارسيّة سوى ما سمعته منّي». ضحكنا ثلاثتنا، لكنّ ضحكهما كان أعلى. قال السيّد فريد إنّ «حال شما» عبارةٌ ناقصةٌ يجب أنْ تتبعها بـ «خوب است» كي تكتمل «حال شما خوب است؟» وهي تعني هلْ أنت بصحّةٍ جيّدة؟ ولا أظنّك تقصدها. أنت تقصد كيف حالك؟ التي تكون بالفارسيّة: «جتوري» أو «حالتان چتوري است؟»، ويكون الردّ عليها بالعبارة الفارسيّة الشهيرة: «خيلى ممنون» أو «تشكّر مى كنم» أو «سلامت باشيد».
أحرجني توضيحه. شكرته على هذا الدرس في اللغة الفارسيّة، بعدما كنت أتباهى أمام معارفي، حين نلتقي شخصاً إيرانيّاً، بتينك الكلمتين من تحيّةٍ منقوصة.
لذلك، إذاً، كانا يضحكان، ومثلهما كان كلّ إيرانيٍّ ألتقيه وألقي عليه هذه التحيّة المغلوطة.
ذهب الشابّ باتّجاه الموظّفة السوريناميّة وراحا يتحدّثان. برزتْ منها نظرةٌ قلقةٌ تجاهي، وأنا بجانب السيّد فريد. سلّمته ورقةً، فغادر المكان يقرأها وهو داخلٌ المكتب الزجاجيّ.
سألني السيّد فريد إنْ كانت قد أعجبتني إحدى السجّادات التي تمتدّ أمامنا، «كلّها رائعة»، قلت. رنّ هاتفه النقّال، كان قد رفض المكالمة مرّتيْن، فردّ وانشغل بحديثٍ بالفارسيّة. جاء هذا الاتّصال رحمةً بي، فلو زاد من ترغيبه لي، لوجدتني مجبراً على شراء سجّادةٍ من دون تخطيطٍ لحاجتي إليها من عدمه.
بقيت أتأمل أنواع السجّاد. عاد رضا منْ دون حقيبة الكتف، واتّجه إلى زبونيْن هولندييْن، وهما رجلٌ وامرأةٌ، يعرض عليهما سجّادةً كانا يتحسّسانها بأطراف أصابعهما، رفعها أمامهما ومرّر كفّه عليها، ثم طوى طرفها، وطلب منهما لمس ظهرها، فاستجابا ثمّ أعادها لصورتها الأولى، ممرّراً سبّابته بقوّةٍ على النقوش الدقيقة للزخرفة، ليريهما جمال النسيج ودقّته وجودته. بقي الزبونان يتفحّصان السجّادة باللمس والنظر، ومقارنتها مع أخرى تحتها، وقد انضمّ إليهما السيّد فريد، فاستقرّ أمرهما عليها، وقدْ أحاط بهما هو ورضا، بعدما تأكّدا من أنّهما حسما أمرهما عليها.
ارتسمتْ ابتسامةٌ على فم صاحب المحلّ، وطلب منهما مرافقته إلى المكتب الزجاجيّ، الذي تطلّ واجهته المفتوحة على فناء المكان.
جاء رضا عارضاً مساعدته عليّ. شكرته وأخبرته أنّ دافع الفضول جاء بي للتمتّع بالنظر إلى زخارف السجّاد وألوانه وربّما اخترت واحدة.
سألته إنْ كان كلّ هذا السجّاد، المكدّس بإحكامٍ، أصليّاً مشغولاً باليد؟ أجاب نافياً. «لكنّ ثمنه مرتفع»، قلت، «لأنّه منسوجٌ من الحرير والصوف»، ردّ، ورفع ذراعه مستعرضاً بها السجّاد «هذا مصنوعٌ بالمكائن، لكن بمراقبة نسّاجين مهرة». قال إنّ متجرهم يحوي سجّاداً مشغولاً باليد، لكنّه يعدّ على أصابع اليديْن، لارتفاع سعر الحجم المتوسّط منه إلى أكثر من عشرة آلاف يورو.
حدثته عنٍ سجادٍ يدويّ شاهدته في أصفهان بأنواعٍ فاتنةٍ، وبأسعارٍ معقولة. تعذّر رضا بكوابيس الضرائب التي تجثم على صدور التجّار، وتكاليف الشحن من إيران إلى أوروبا، وليس كلّ ما يُعرض في إيران من سجّادٍ مشغولٍ باليد، حتّى إنْ أخبروك بذلك، فهو يحتاج إلى من لديه خبرة، مع تطوّر التقنيّات التي صارتْ تقلّد حتى شغل اليد. قلت مازحاً: «ربّما نترافق ذات يومٍ بسفرٍ إلى إيران، وتدلّني على الأفضل حياكةً والأرخص سعراً والأصليّ من المقلّد». ردّ مبتسماً «ربّما، لكن وقتها سيقاطعني تجّار السجّاد في إيران، لأنّي أكشف أسرارهم للزبائن». بادلته ابتسامة أعلى مماثلة.
تجاوبه سهّل عليّ زيادة فضولي. سألته عن مصدر بضاعتهم إنْ كانت من إيران فقط أو من دولٍ أخرى تقلّد ذات النّقشات الفارسيّة. حثّته أسئلتي كي يسهب في الحديث عن سفره، مرّاتٍ، كلّ عامٍ، إلى إيران، من أجل تلبية طلبات زبائن في هولندا، من الإيرانيين والهولنديين وبعض رجال الأعمال الرّوس، وأن لا مصدر غير إيران لسجّادهم في هذا المتجر، الذي يملكونه وثلاثة متاجر يتشاركون بها مع تجّارٍ إيرانيين في روتردام ولايدن وأوترخت كلّها باسم «بازيريك».
كان للصفقة، التي يوشك رئيسه على إتمامها مع الزبونيْن الهولندييْن، أثرٌ في طاقته الإيجابيّة التي انعكستْ أريحيّةً على إجاباته الموشّاة بابتساماتٍ على محيّاه القريبة لعائلة صاحب المتجر، الذي ناداه كي يساعده بطيّ سجّادة الزبونيْن الهولنديين، اللذيْن اختارا آخر نسخةٍ معروضة. حملاها إلى جوف المتجر، واتّفقا مع الزبونيْن على عنوانهما، ووقت إيصالها وتاريخه.
استعرضت أنواعاً أخرى من السجّاد، نظرت إلى موظّفة الاستقبال، فطمأنتها بنظرتي التي بادلتها بشكرٍ، لمع في عينيها، وبابتسامةٍ ظلّتْ على فمها، حتّى مغادرتي. التقطت، عند باب الخروج، كتيّب صورٍ ومعلوماتٍ عن المتجر من رزمةٍ مجهّزةٍ بعنايةٍ على طاولةٍ في زاوية الباب. لوّحت لهما، بالكتيّب، شاكراً، فنادى صاحب المتجر «خودا حافز». رددت مبتسماً «خلي متشكرم»، لكنّه لحق بي حاملاً نموذجاً مصغّراً من سجّادةٍ فارسيّةٍ، بأبعاد نصف مترٍ طولاً وثلاثين سنتمتراً عرضاً، ناولني إيّاها مركّزاً نظراته في عينيَّ، فقبلت شاكراً. كان قبولي الرشوة، هديّة الترضية، نهاية لعبة النظر التي عذّبني بها، منتصراً، السيّد فريد في المتجر. ليتني رفضتها، لكنت مارست تحدّياً ضده، لكن هلْ قبولي بها ساواني به وبالموظّفة السورينامية؟ كأني قرأت ذلك في عينيه، وهو يدسّ السجادة الملفوفة في كيس نايلون، طُبع عليه اسم المتجر المؤطّر بزخارف رباعيّة الألوان.
(*) من رواية بالعنوان نفسه، صدرت حديثاً عن «دار مخطوطات» في هولندا.
(**): العراق/ هولندا