ترجمة مجاهد مصطفى
1. فرناندو سورنتينو (الأرجنتين): مجرد افتراض
يقول أصدقائي عني، بأني سريع التأثر، وأعتقد أنهم على حق، وكمثال على ذلك، يسردون لي قصة وقعت لي يوم الخميس الماضي.
في ذلك الصباح، كنت أقرأ رواية مرعبة، وقد انغمست في قراءتها إلى درجة التأثر بها. ومن قوة تأثيرها عليّ، تخيلت بأن في مطبخي، يوجد قاتل شرس يهددني بسكين كبيرة، وينتظر ولوجي إلى المطبخ، لكي ينقضّ عليّ، ويغرز سكينه في ظهري. وبما أنني أجلس في مواجهة باب مطبخي، ولا يمكن لأي أحد الدخول من دون أن أراه، كما أنه ليس هناك باب آخر للولوج سوى هذا الذي أمامي، وبرغم كل التأكيدات، كنت مقتنعاً بأن القاتل ينتظرني وراء هذا الباب المغلق.
وهكذا، فتحت تأثير هذا الجو المشحون، كنت عاجزاً عن الدخول إلى مطبخي، الشيء الذي كان يشغلني كثيراً، نظراً لاقتراب ساعة تناول الغذاء، وبالتالي كان من الضروري الدخول إلى المطبخ.
وفجأة دق جرس بابي:
- ادخل، الباب مفتوح، صحت بدون أن أقوم من مكاني.
دخل البواب، وبيده رسالتان.
- ساقي مخدَّرة، قلت له، هل تستطيع الذهاب إلى المطبخ، لتحضر لي كأس ماء؟
فرد البواب:
-بطبيعة الحال. ثم فتح باب المطبخ، ودخل.
بعد لحظة، سمعت صرخة ألم، وضجيج سقوط جسد على الأرض، مع وقوع صاخب للصحون والقناني.
هكذا، قفزت من مقعدي، وركضت نحو مطبخي.
وجدت البواب ملقى فوق الطاولة، وقد انغرز سكين في ظهره.
الآن، وباطمئنان كبير، لاحظت، بالتأكيد، عدم وجود قاتل في مطبخي. يتعلق الأمر بمجرد افتراض، بطبيعة الحال.

2. روبرتو بولانيو (تشيلي): بطاقة بريدية
695 - باريس. إضاءات ساحة الكونكورد.
بعيداً، برج إيفل.
أمي العزيزة، من المؤسف جداً ألا تستطيعي رؤية كم هي باريس كبيرة وجميلة. أتخيل ذلك أنه من الآن فصاعداً، بعد وفاة آنَّا (نعم لقد كنتِ على حق، فهي ليست فتاة لطيفة)، سوف أكون أكثر اجتهاداً في هذا التمرين التراسُلي الذي أحافظ عليه معك منذ فترة طويلة. كما قلت لك، فإن باريس كبيرة وأيامي قصيرة جداً، من أجل أشياء كثيرة يمكن رؤيتها، سماعها، فعلها وقراءتها. البارحة، قرأت، على سبيل المثال، أن دور النشر النيويوركية تتلقى أكثر من عشرة آلاف كتاب شعري في السنة. هل تتخيلين ذلك؟ كم عدد الشعراء! من دون الأخذ في الاعتبار بالطبع، الذين يكتبون القصائد ولا يرسلونها بعد ذلك إلى دار النشر. ومن دون مراعاة من يرسلون مخطوطاتهم إلى مدن أخرى في البلاد. ففي المجموع، وإذا ما قمنا بتقدير منخفض للوضع، في الولايات المتحدة، سنصل إلى حوالى ثلاثين ألف ديوان شعري في كل سنة. هل يمكنك تخيل هذا الدوار؟ ثلاثون ألف كتاب لم ينشر بعد مع مفاتيح كل شيء. لو استطعنا قراءتها! حسن، توفر البطاقات البريدية مساحات صغيرة، وقريباً سأكتب إليك لفترة أطول. أما الآن، فسوف أستيقظ، وأقترب من نهر السين، لكي أرمي البطاقة البريدية في الماء. ربما ستنجح التيارات البحرية في إرسالها إليك. فمن الممكن، أنه في يوم ما، عندما تفتحين الصنبور، تخرج منه البطاقة.
ديدالوس.