1. اكتشافألهو باللغة
كما يلهو طفل بشفة والده.
تتعدد الأصوات
وحيوانات كثيرة تخرج.
رينيه ماغريت: «الانتقام» (زيت على قماش، 1936)

2. لغة
غفوت على سرير اللغة
وانتظرتك.
الكلمات طريق
النقط عسس.
دائماً ثمة ما يفضح العاشق:
صفة غائمة
وحال!

3. متعة
هناك متعة في النظر إليك
من خلف حجاب.
أطلق العنان للمخيلة
وتصهل خيول في الجسد.

4. من باب السماء فوقنا
أتأمل الخريطةَ وأنحاز للغابةِ
الهدوء ملِكٌ.
الهواءُ أن تعبثيِ بفكرتي عن الأشياءِ المثيرةِ
وأن تنشري الضوء
في المحيطْ.
بحرٌ يوقدُ من شجرةٍ
في المطلقْ
ويتدفقْ.
كلُّ هذا وأكثرْ
ثمةَ غيمةٌ أخرى
وأخرى،
هذا البحرُ يوشك أن يغرق
في نفسهِ
وفكرتي عن الأشياء
لا تزال على حالها.

5. بعين أخرى
أرى بعين أخرى.
لا أبالي بهاتين العينينِ
هناك ما هو أكثر عمقاً من كل هذا الهراءْ.
بعيني الأخرى
أرى
هذا النسيج المتشابكَ،
المليء بالفرحْ
المغلق على الألمْ
أرى أنهُ لا يزالُ طفلاً
ينضجُ كموزة في غير أوانها،
أراه بالعين الأخرى،
يستعيدُ ظلالاً بعيدةً
شرفاتٍ لشموسٍ غائمةٍ
وشلالاً كاملاً من الأحلامْ.
أرى بالعين الأخرى
أرى الأيامَ تجمع متاعها
وتبحثُ عن مضجع هادئ
لهذا النسيج المتشابك،
لي، في حديث آخر.

6. مجرد قبس
لدي هاجس.
يحتاج الأمر إلى خيال خلاق
وإلى تواطؤ
أو مؤامرة.
سأصبغ بالأسود
غرفة الحبِّ،
هذا سيثير غيرة المصباح المعلق
بينما لعينيك بريق،
وللجسد نور.
ولدي هاجسٌ مضادّ،
سأعطر بالبنفسجيّ
هواء القلبِ،
هكذا أكونُ في غير حاجةٍ إلى شكل محدد
من الخيال،
وتكونُ باباً إلى الجنة
غرفةُ الحبّ.
الجنة بيضاءُ
قاب قوسينِ
إلى الأعلى،
وهذه الروح المعلقة في شجرة الأمسِ
تقرأُ كتابها.
هناكَ ما يجعل الخيالَ حارساً لفارس في العتمة
لا أتحدثُ مطلقاً عن الشاعرِ،
هو ينسجُ نشيده الخاص ويبتعدْ
أتحدثُ عن نافذة يطل منها على حديقة من نورٍ،
وأذكّره بالأسود في غرفة الحبُّ،
بالحروفِ مثل أقنانٍ في حقل من الشهوة،
وبغرفةِ البنفسج تملأ عينيه فيعبرُ
لا يرى إلا ما يشعُّ:
نور على نورْ
شجرة توقد من زيت القلبِ
وهذه النجومُ التي تكسو السماواتِ
قبسْ
مجرد قبسْ!

7. يداً في يدٍ
بشأن ما سيحدثُ
ليس لي ما أقولْ.
للموتِ: تعال يا صديقُ
ويداً في يدٍ
نمضي في الممر الوحيدِ
إلى عزلة الشجرة.
الحياةُ
تشعُّ مثل بلورة معلقةٍ
في سقف الشكّ
مثل فقاعة في الشمسِ لا يمكن رتقها.

يا صديقُ
يداً في يدٍ
نصنعُ التاريخَ تركةً للأغبياءْ
يداً في يدٍ
نرحلُ سعيدين في الألمِ
غير عابئينِ، أنا على الأقلّ،
بما سيحدثُ.
فقطْ
سأشتاقُ، فأنا كائنٌ بعاطفة هشة،
إلى غيمةٍ في المجازٍ،
وإلى شمسٍ لا تنام مطمئنة إلى عشب المخيلة
من هناكَ
تصعدُ لغة غامضةٌ
حفيفٌ مثل دبيب النمل في رجل مخدرة،
ووارد جداً، أن أترك الحياةَ التي تشبهُ البلورةً
تنطفئُ
شمعةً
شمعة
بينما أقول للموت تعال يا صديقُ
ثمة نجوم تنطّ بمحاذاة رأسي
وثمة هذا الشعورُ الذي ينتابُ عاشقاً
بلا ملامحَ،
وثمة يدي التي في يدكَ
تبحثُ عن خلاصٍ.

8. وأشار إلى الجمجمة
الشجرةُ البعيدةُ في الصحراء،
هي الشجرة التي تبدّدُ فكرتي عن العالمِ،

أحلمُ بما يشبهُ الواحةَ
وأن الواحةَ هي العالمُ،
أحلم بغيمةٍ وحيدةٍ تتوجُ أفقَ الرؤيا،
وأن الغيمةَ هي الطريقُ،
وأن الغيمة تسقي الشجرة البعيدةَ،
وأن الشجرةَ مسكونةٌ بالنورٍ
وأن فكرتي مليئة بالشكّ،
وأن الصحراءَ، تبعاً لكل ما سبق،
ليست أكثر من هاجسٍ قديمْ
وأن الواحةَ ليستْ في الواقع نواةً لهذا الهراء
وأن العالمَ نفسهُ ليس سوى استعارةٍ
وأن الفكرة المليئة بالشكّ هي المفتاحُ
وأن الكنزَ هنا.

9. زاد التجربة
أفترضُ أنّ ثمةَ ظلالاً،
وأنَ الكلامَ
زاد التجربة،
وأنّ النهرَ المتدفقَ
يسقي ضفاف القلبِ،
وأنّ جزيرة البنفسجٍ
على حالها،
وأنّ الشلال هديرٌ متواصلٌ.
أفترض أن ثمةَ ظلالاً،
وأن هذا العمرَ أوشامٌ،
وأنهُ كالشمس،
يمضي،
عادةً،
ويعودْ.

10. هناك حظ أقلّ
الشرفة التي لا تفتح إلا نادراً.
الحديقة التي تحشد عشبها بسرعة ويتماطل البستاني في زيارتها.
المجرفة الكسول المحايدة في ركنٍ.
مقص العشب المصاب بكساح مزمن.
الجندب الذي قتلته وأشعل كل أكياس الندم في القلب.
الأرجوحة التي كسرتها رياح الأيام الماضية.
الصيف المتردد فيرحل ثم يعود.
المطر الذي يطل من تلك الغمامة في بيت الشاعر:
«كما أَبْرقَتْ قوماً عِطَاشَاً غمامةٌ... فلما رَجَوها أقْشَعَتْ وتجلتِ».
الساعة الإضافية والساعة المنقوصة.
الأجراس التي في الرأس مثل قرني حلزون.
السلحفاة الصغيرة التي خرجت ولم تعد.
الطائران اللذان اغتالهما القفص قبل أربع سنوات.
الكلب الذي سرقه شخص ما.
عمود الموجات الكهروميغناطسية المهدِّد.
الغبار. الغبار. الغبار.
هناك حظ أقلُّ
لكي يفقد وجه الصباح سحنته الرمادية!

11. قلب جاهز للحب
الأخضرُ
أن يكون الربيع جاهزاً
مثل قلب في أول الحب.
لكنْ للمفارقة
أنا ابن أول الخريف
ولدتُ على مرمى العواصفِ،
فقط
عاطفتي كانت هشة عندما فكرت في الهدنة.

12. الأشباح تتنزه
الليلُ مكانٌ أيضاً.
فيه تحتفي النجوم بالملائكة
وينصبُ الحبُّ فيهِ فخاخه للجسدْ.
قد لا يكون الأمرُ مثاليّاً
لكنّ الليلَ مكانٌ لعزلةِ الروحِ
تفدُ الأشباح إليهِ للتنزه
أو فقط لإعادة حلم قديم إلى مكانه!

13. الشاعر
«هو»
كان يكتب لزوجة قلبه شعراً
وأنا أراقبه
أقتفي خطاه على ضفة النهر
كانت بلا أثر.
«هو»
لم يكن يكتب شعراً،
كان يمشي
على الماء.

14. بين بين
أريد أن أزرع أرنبين
في حديقة البيت.
الحياة باختصار
لقاء اثنين لا حرب بينهما.
اثنين على الوردة الوحيدة للحلم
وعلى طاولة بكرسيين فقط على حافة العالم.
هناك
لا في الجنة
ولا في النار.

15. تمثال في ملتقى شارعين
يوماً ما، سأكون ذا شأنٍ؛ سيكون لي كتابٌ يُتلى؛ وكتائبُ تروي سيرتي على ملإٍ خيرٍ مما أرى؛ وسيكون لي تمثالٌ في ملتقى شارعينِ، في ساحة عمومية. سيكون هناك عابرون كثرٌ، وعابراتٌ، أعْينُهم إلى شامةٍ بينَ عينيَّ، يتأملونَ الحياةَ التي يعكسها وجهي وأنا أنظر إلى الأرضِ. إلى الأرض كما فعلتُ دائماً. سيكون هناك صبيانٌ يضحكون عند ركبتيَّ وصبايا. سيكون هناك عاشقة وعاشقٌ بقبل مسموعةٍ للذكرى، وصورٍ لحماية حبهما من الملل عندما يدهَمهما في غرفة الأحلامْ. سيكونُ هناكَ شعراءٌ وسياحٌ عاديونَ؛ ستكون هناك حماماتٌ، وعاملُ نظافةٍ، وشبحٌ. يوماً ما سأتذكرُ الغابة التي كانت تغزو حلمي، والأرانب التي تملأ باحة الوجدان؛ الطفل الصغير وهو ينظر إلى مرآة لم تكنْ؛ حلاقة الشارب لأول مرة؛ ضحكات الفراشات التي كنت أزرعها في الكلماتِ؛ إحساس اليدِ وهي تجس النهد الأولَ، وأنواراً وأنواراً وأنواراً، تلك الهالةُ التي يصنعها الحبُّ أو ما يشبهُه؛ تواطؤ الليل والنهارِ على القلب وهو يتدحرجُ مع الوقت. يوماً ما، سيكون لي تمثالٌ في ملتقى شارعين، وسيكون لي شأنٌ. سأتخيلُ السماءَ وأتذكر حذري المرضي من البحر، سأتخيلُ طيوراً مهاجرة، وأنني محطة في الطريقِ، وقصائدي مقاه مفتوحةً 24/24، والقراءَ عابرون وعابراتٌ. سأتخيلُ صورتي في كتاب مدرسي لأجيال ستأتي. أشعر مسبقاً بزهو المتنبي، وأفكر في زهد رامبو، سأكون في خيالي ما شِئتُ. ما كنتُ أود أن أكون. وسأصغي إلى روحي التي لم تعدْ، وإلى جسدي البعيدْ. يوماً ما سأكون ذكرى في قلب امرأةٍ وسيكون لي تمثال في ملتقى شارعينِ. سأكون ملهماً للشعراء القادمين من المستقبلِ مثل جيفارا، وإن لم يكن شاعراً، والشابي ونيرودا وآخرين أعلمهم، وآخرين لا أتذكرهم، وآخرين لا أعلمهمْ. سأنثر بقايا كونٍ يتآكلُ وأمضي في ملحمة العبور بلا انتباهٍ إلى الخلفِ. سأنسى أنني مشيتُ على الأرض أو أنني نظرت إلى السماءِ. سأترك الأولى للحنينِ والثانية للترقبِ، وأمضي، أنا مجردُ تمثال في ساحة عموميةٍ، وفي متاجر التذكارات، ستأتي امرأةٌ تعرف القصةَ، ورجلٌ يعرفني، وأطفالٌ رأوا صورتي في وثائقي على التلفازِ: إنهُ هوَ. كأنه هوَ! ستحملني المرأة في قلبها، والرجل في قصيدته، والأطفال في أحلامهمْ. وسأكون ذا شأنْ. ويوماً ما، سيكون لي تمثال.
* الرباط/المغرب