بعد توقّفٍ استمر نحو 50 عاماً، عاد وول سوينكا (1934) إلى حقل الرواية، إذ لم يجد ملاذاً آمناً لتفريغ غضبه واحتجاجاته وسخطه إلا عبر السرد. كان على صاحب نوبل (1986) أن يغادر نيجيريا موقتاً كي يلتقط صورة بانورامية لبلاده من خارجها، بقصد تفكيك عنف السلطة وآليات الخداع، متسائلاً: «هل هذه نيجيريا التي حلمتُ بها؟». أسبوعان من العزلة بين داكار وغانا ساعداه على التقاط البذرة الأولى لروايته. في بيته الريفي، أغلق الباب على شخصياته في محاكمة صارمة. حملت روايته الجديدة عنواناً تهكمياً «سجلّات من أرض أسعد الناس على وجه الأرض» (Bookcraft, Nigeria; Bloomsbury, UK; Pantheon, US, 2021)، متكئاً على تقرير إخباري حقيقي عن تصنيف نيجيريا العالي في دراسة استقصائية عالمية للتفاؤل. هكذا أحكم شباكه على شخصيات تشكّل مجتمعة الفضاء التخييلي لبلاد بالكاد تتشبث بمؤشر بقاء هامشي، على خلفية لغز جريمة قتل، مستنفراً وقائع كان يختزنها طوال فترة صمته عن الفوضى والعنف والتعصّب ومافيات النهب، وغرق نيجيريا في مستنقع من أكاذيب السلطة، و«المنافسة الضارية على تدنيس البشر، جسدياً وعقلياً»، و«نبي كاذب يستخدم عناصر من ديانات مختلفة لتناسب أغراضه»، من دون أن يهمل جرائم بوكو حرام، إذ تباع أعضاء الضحايا المشوّهين في سوق سوداء. عند هذه النقطة «تبدأ أسرار الأمة القبيحة في الظهور» عبر هجاء سياسي لاذع، ورثاء عميق لروح الأمة، يتسرّب من بين سطور الرواية. يعترف صاحب «المترجمون الفوريون» أن الرواية كتبت نفسها بنفسها، نظراً إلى تراكم الخسائر والفضائح والمهازل التي لحقت بالقيم الإنسانية. وتالياً فإن تقنيات السرد كانت تعمل بوتيرة الهاوية، بتوفّر الرسوم التخطيطية والأسئلة الجدلية والشعر، ثم «وضعتها أخيراً في وعاءٍ واحد». هكذا يهيمن الهجاء كوسيلة «لاستكشاف مفترق الطرق بين الفساد والتعصب الديني وإرث الانقسام الاستعماري، كما تحضر الفكاهة بوصفها آلية دفاع تم اختبارها بمرور الوقت». لكن على الرغم من كل النغمات الساخرة والتورية والتلاعب بالأسماء، فإنّ «سجلات من أرض أسعد الناس على وجه الأرض» رواية متشائمة. عمل رجل ليس لديه أي من الأوهام المقترحة. في منزله الريفي، يقضي وول سوينكا شيخوخة هادئة. لا يرغب في استعادة ذكريات المنفى وملاحقته آنداك باتهامات خطرة على يد الديكتاتور العسكري ساني أباشا، تتعلّق بمواقفه الاحتجاجية على ممارسات السلطة القمعية في فترة التسعينيات من القرن المنصرم، واضطراره إلى الفرار خارج البلاد متشبثاً بمؤخرة دراجة نارية لمدة 10 ساعات. لكنه اليوم يكتشف نيجيريا أخرى «شيء ما حدث لنوعية الحساسية في هذه الأمة، لم أضع إصبعي عليه تماماً، شيء ما خرج عن مساره». في مذكراته «يجب أن تتقدم عند الفجر»، يقتبس مثلاً شعبياً يفيد بأنه «عندما يبلغ المرء الشيخوخة ينبغي أن يتوقف عن الانغماس في المعارك». لكنه سيتخلّى لاحقاً عن هذه النصيحة، منخرطاً بعناد في الدفاع عن حرية التعبير وإدانة الأصولية الدينية المتوحشة، وفضح ضروب الاستبداد.