منذ باكورتها «أحاديث مع الأصدقاء» (2017)، تصدّرت الروائية الشابّة سالي روني، الموجة الإيرلندية الأدبية بكتابتها رواية تجري أحداثها ونقاشاتها في دبلن المعاصرة. العاصمة الإيرلندية احتضنت في رواية روني أحاديث وحوارات وأفكاراً لمجموعة من الأصدقاء وزملاء الجامعة في فترة انتقالهم من المراهقة إلى البلوغ. صدور الرواية الثالثة لسالي رواني بعنوان «أيها العالم الجميل، أين أنت؟» (Faber) أخيراً، شكّل حدثاً أدبياً في بريطانيا وإيرلندا وفي العالم بتصدّرها قائمة المبيعات على Amazon.

واللّافت أن أجواء روايتها الأحدث لا تبتعد عن هذه الشهرة الهائلة التي حقّقتها الروائية قبل أن تبلغ الثلاثين. تجربة روني مع الشهرة التي حوّلتها إلى نجمة في عمر السابعة والعشرين، تجد طريقها إلى هواجس بطلة روايتها أليس الكاتبة البالغة ثلاثين عاماً. ترصد الرواية التغيّرات الكبيرة في حياة أليس بعد الشهرة، وهي تتقاطع في كثير من المواضع مع سيرة روني نفسها التي جمعت ثروة مالية هائلة فجأة. غير أن أليس، تواجه انهياراً عصبياً، وتضطرّ إلى الإقامة في مصحّ للأمراض العقليّة. لدى روني قاعدة تتبعها في كتابة رواياتها، أهمها تجنّب تقمّص دور كاتبة أكبر سناً وأكثر حكمة من عمرها الحقيقي، بل تحرص على الكتابة بمعرفتها عن تجارب جيلها. هكذا يخوض أبطالها نقاشات وحوارات حول الرأسمالية والفروقات الطبقية والتغير المناخي، والإجهاض وغيرها من هواجس واهتمامات هذا الجيل، خصوصاً في دبلن، تلك المدينة التي شهدت قبل قرن حوارات ستيفن وكرانلي حول الدين والكاثوليكية في «بورتريه الفنان في شبابه» لجيمس جويس. الكاتبة الماركسيّة، كما وصفها النقّاد، لا تجبر أبطالها على اتخاذ مواقف معيّنة، بل هم فقط يبحثون عن إجابات لتساؤلاتهم التي لا تنتهي حول الحب والعلاقات والطموحات الفرديّة والمال والعائلة والدين. هذه الأسئلة الدنيوية اليومية التي تصنع الرواية الجديدة ومناخاتها. كلّ ذلك تلتقطه روني وتنقله بشفافية على ألسنة شخصيّتي روايتها الأساسيتين أليس وصديقتها منذ أيام الجامعة أيلين المحرّرة في إحدى المجلّات. نتابع حواراتهما ونقاشاتهما من خلال تبادلهما الرسائل الإلكترونية على البريد، وعلى وسائل التواصل الإجتماعي التي ترصد الروائية تأثيرها على حيوات الشخصيات. هذا الانشغال بالحياة اليومية في الرواية، هو ما دفع بعض النقاد أخيراً إلى اتهام العمل بافتقاره إلى العمق. هكذا ترصد الرواية تأثير المال على العلاقات وعلى العمل الإبداعي، الذي يأخذ مساحة كبيرة من حوارات أليس وصديقتها. تعترف أليس لها «لم أعد قادرة على قراءة الروايات المعاصرة»، لماذا؟ لأنها باتت تعرف معظم كتاب الوسط الأدبي، الذي يقضون عطلهم في مدينة برلين، ويجرون بضعة مقابلات هناك، ويحضرون المناسبات الاجتماعية، ويعودون بعدها ليخرجوا كوميبوتراتهم النقالة من نوع «ماكبوك» للكتابة عما يعتقدون أنها «الحياة اليومية الحقيقية».