انطلق الموسم الأدبي في فرنسا كعادته في بداية شهر سبتمبر (أيلول). حدثٌ يمثّل «شحنة الكهرباء» في جسد المكتبات الكبرى و دور النشر الفرنسية، واستحقاق سنوي يعكس مثابرة عاصمة النور على صناعة الثقافة، ووصل المؤلفين بالقراء وإطلاعهم على آخر الترجمات والثيمات التي يزخر بها الأدب المحلي والعالمي. مئات الكتب في مختلف الأصناف الأدبية، تحظى الرواية منها بحصّة الأسد، وعادة ما تسلك الروايات التي تجد طريقها إلى قلوب القرّاء، دربها نحو الجوائز الأدبية المرموقة مثل «غونكور» و«رونودو» والأكاديمية الفرنسية. المميّز هذا الموسم هو الحصة الوازنة للكتّاب المهاجرين إلى فرنسا أو إلى لغتها، والحفر الدائم في مسائل شائكة كماضي فرنسا الاستعماري وهيمنة الرجل الأبيض، أو الحاضر الذي يفرش ألغامه أمام المهاجرين في قضايا الاندماج والقبول في مجتمعاتهم الجديدة. هكذا، يجرؤ الأدب على دخول المناطق المحرمة وقول كلمته حيث تكذب السياسة وتراوغ. تفرض قضايا حساسة نفسها كالفقر واستعباد النساء والمسألة الجندرية والتحول الجنسي، فتتحول إلى مواد دسمة للسّرد. كما نعثر على روايات تتوكّأ على التاريخ، لتُصيب بسهامها واقعنا الراهن، وأخرى تعالج قضايا الثورة الرقمية وإرهاصاتها، وقدرة الروبوتات على الحب مثلاً. والثابت هذا العام هو حضور الشعر، مطعِّماً الروايات بقوة حضور لغته. نستعرض في «كلمات» باقة من كتب بداية الموسم الأدبي، التي نجد فيها إسهامات لكتّاب لبنانيّين فرنكوفونيّين أو مُترجمين، ما يشكّل بارقة أمل في البلد الذي يعترض مبدعوه بالحرف على الموت

«ابن الوغد»
سورج شالاندون
(دار غراسيه)
Enfant de bastard
Sorj Chalandon


يخطو الكاتب والصحافي الفرنسي سورج شالاندون (١٩٥٢) خطوة ثانية في هذا العمل الروائي إلى منطقة سيرته الذاتية التي كان قد بدأ برسم معالمها بالفعل في روايته السابقة «مهنة الأب» (Profession du père)، التي تحوّلت أخيراً إلى فيلم سينمائي. رواية تتقاطع فيها محاكمة المجرم النازي كلاوس باربي مع سيرة والد مراوغ كان «عميلاً» خلال الحرب العالمية الثانية.
نحن أمام هوس بالصورة الأبوية في سردية أكثر إثارة، تشكّل حجر الزاوية للبناء الروائي الرومانسي الذي يحاول فيه الكاتب الإحاطة بمخاوف طفولته التي لا تنفكّ تُطارده. يمكن اعتبار «ابن الوغد» تنويعاً على الجزء الأول من «مهنة الأب»، على الرغم من إمكانية قراءة الروايتين بشكلٍ مستقل. يقدّم شالاندون في إحدى مقابلاته عمله كالتالي: «إنها  حكاية عن والدي قبل ولادتي، بما في ذلك سنوات الحرب ومهنة الأب كمّا كانت عندما جئت إلى العالم للمرة الأولى، وصولاً إلى وفاته. لم تدفعني أي «حاجة داخلية» إلى كتابة هذا العمل الأخير، بل أساسها اكتشاف ملف والدي الجنائي، وبالتالي هذه الحقيقة التي أُخفيت عني: بدون هذا الاكتشاف، كنت سأتركه هناك، في «مهنة الأب».

«الحلم وقوفاً»
ليدي سالفاير
(دار سوي)
Rêver debout
Lydie Salvayre


تبني الفرنسية ذات الأصول الإسبانية ليدي سالفاير (١٩٨٤) روايتها هذه على شكل مانيفستو شخصي/ تأملي يتخّذ شكلَ سلسلة من الرسائل الموجّهة إلى ميغيل دي سيرفانتس، الأب الروحي للرواية الأوروبية الحديثة، وتحديداً لبطليه دون كيشوت وسانشو: «ثنائيٌ هو أشبه بمرآة لنا ويمكننا صوغ أنفسنا على شاكلته، في الثورة الدّاخلية والطرق المسدودة والمخاوف والتناقضات. كنّا في حبس كامل (كورونا) وتذكرت أنّ دون كيشوت كسر بفارغ الصبر الحبسَ العقلي الذي كان فيه، حين كان يقضي أيامه في قراءة روايات الفروسية لاكتشاف الآخرين والعالم. لذلك أعدت قراءة كتاب سيرفانتس الذي لم أفتحه منذ أربعين عاماً، وكنت سعيدةً جداً بقراءته. خطَر في بالي أن أكتب رسالة إلى سرفانتس، ثم رسالتين، فثلاث، فخمس عشرة. يتطلب الأمر شجاعة للتفكير وكتابة تلك الأشياء التي لا ترضي أو تصدم لمجرد أنها ليست حديثة، يبدو لي ذلك من مهمات الأدب».

«لأحبّ نفسي بعد»
مريم مجيدي
(دار لو نوفيل أتيلا)
Maryam Madjidi ـــ Pour que je m’aime encore


تستعير الروائية الفرنسية ذات الأصول الإيرانية مريم مجيدي (١٩٨٠) عنوان الأغنية الشهيرة لسيلين ديون، مع تحويل موضوع الحب إلى الذات المتشظيّة بين بلدين وثقافتين. يمكن قراءة هذا العمل القوي لمجيدي على أنه تكملة خيالية لرائعتها «ماركس والدّمية» التي توجّت بجائزة «غونكور» عام ٢٠١٧. تنتقل مجيدي في متتالية السرد من لسان الطفلة في «ماركس والدمية» إلى لسان المراهقة في «لأحبّ نفسي بعد». المراهقة التي تدخل في مواجهة حقائق بلدها بالتبني فرنسا. بهذه الرواية الرقيقة والرائعة، تفتح لنا مريم مجيدي الأبواب الحميمة لبطلتها وعوالمها الداخلية القلقة، لكن بلغة تميزها روح الدعابة: الفكاهة كسلاح ضد عنف الواقع والحياة اليومية. كما أن جغرافيا السرد هي أكثر ترسّخاً في فرنسا منها في إيران: ترسم الرواية لوحة اجتماعية للضاحية الباريسية، درانسي، في التسعينيات، حيث يضطر المهاجر لعبور حقل الألغام الشائك في مسائل الاندماج، واللغة، وحتى النموذج الإستيتيقي للجسد الغربي، بحيث تمارس البطلة عذاباً حقيقياً على نفسها لتقترب من نموذج الجمال الغربي هذا، مخاطرةً بصحّتها ومضحيّة بلون بشرتها، بالمعنى الحقيقي والمجازي.

«سيدي وقاهري»
فرانسوا هنري ديزيرابل
(دار غاليمار)
Mon Maître et mon vainqueur ـــ François Henri Désérable


في عمله الثالث، يثبت الفرنسي الشاب فرانسوا هنري ديزيرابل (١٩٨٧) نفسه كأحد اكتشافات الرواية الفرنسية الجديدة في كتاب هو مزيج من نشوة الحب واصطدامها بجفاف الواقع بلغة يغلب عليها الخيال الشعري، وفي قالب سردي هو أقرب إلى تقرير يرافع به الراوي عن حب فاشل أمام قاضي التحقيق. يقول الكاتب: «ولدت هذه الرواية من شجن القلب، نعلم أن هناك طرقاً لا حصر لها للتغلب على كسر القلب، كتابة القصائد، على سبيل المثال. ليس هذا الأمر بجديد: مَن منا لم يكتب بضعة أسطر بعدما أصابه الغمّ؟ إنها مسألة تافهة... وهذا ما فعلته بالضبط، كنت أخطّط لنشر هذه المجموعة من القصائد، وبعد ذلك غيّرت رأيي، إذ أخذت بعض هذه القصائد وغلّفتها بالخيال لتولد منها رواية حول الشغف المعقّد، وعذابات الهوى، ومشاعر الحب المستحيل».
رواية «ابن الوغد» تتقاطع فيها محاكمة المجرم النازي كلاوس باربي مع سيرة أب مراوغ كان «عميلاً» خلال الحرب العالمية الثانية


«في ربيع الأشباح»
فيليب جينادا
(دار مياليه بارو)
Au printemps des monstres ــ Philippe Jaenada


السادس من أيار (مايو) ١٩٦٤، يهرب الطفل الباريسي لوك تارون، ذو الأحد عشر عاماً، من منزله، ليُعثَر على جثّته في صباح اليوم التالي في غابة في الضواحي. تُثير هذه القضية ضجة كبيرة في وسائل الإعلام والصُحف الفرنسية لأن القاتل المفترض الذي يُطلق على نفسه لقب «الخنّاق»، سيُمطر وسائل الإعلام وأقارب الضحية برسائل بغيضة يقدّم فيها تفاصيل مزعجة حول وفاة الضحية. في الرابع من تموز (يوليو)، يتم اعتقاله: إنه ممرض شاب يُدعى لوسيان ليجيه، اعترف بالجريمة لكنّه ما لبث بعد عام أن تراجع عن أقواله. في عام ١٩٦٦، يحُكم عليه بالسّجن مدى الحياة، ليبقى مسجوناً لمدة ٤١ عاماً، من دون أن يتوقف أبداً عن إعلان براءته.
بأسلوبه السّردي الفريد، يُعيد فيليب جينادا (١٩٦٤) تناول عناصر ملف قضية تارون ــ ليجيه بدقّة، ليشرح على موشور هذه القضية مجتمع فرنسا في ستينيات القرن الماضي، وكيف يمكن أن يقود الزيف والجبن واللامبالاة مجتمعاً كاملاً إلى الظّلم وإطلاق الأحكام الجائرة. المنطقة المضيئة في الرّواية تمثّلها سولانج، زوجة «الخنّاق»، كصوتٍ وحيد للشفافية صارخ في البرية. قيمة رواية جينادا المضافة أنّه رغم تموضها في الستينيات من القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي صاغت قيم المجتمع الفرنسي، إلّا أن الكثير من هذه القيم لا تزال سائدة اليوم. 

«تعريف السعادة»
كاترين كوسيه
(دار غاليمار)
La définition du bonheurـــ Catherine Cusset


«بالنسبة إلى كلاريس، لم تكن السعادة موجودة في المدة والاستمرارية (هكذا كنت أعرّفها أنا)، ولكن في التفصيل، في البذرة التي تتألّق بضوء فريد، وحتى لو سبق هذا التألّق السقوط».
في «تعريف السعادة»، تروي كاترين كوسيه (١٩٦٨) حكاية امرأتين: كلاريس، المفعمة بالحياة، والعاشقة بشغف لقارة آسيا وبلدانها وثقافاتها، لكنّها تحمل في المقابل بداخلها صدعاً رافقها منذ الصغر يُنذر بكارثة. في المقابل، تُوازن المرأة الثانية، إيف، بين العقل والخيال، وتحيا علاقة أسرية عميقة ومستقرة مع زوجها. تعيش إحدى البطلتين في باريس والأخرى في نيويورك. من دون معرفة مسبقة، ستوحّدهما رابطة غامضة في بحثهما المحموم عن السعادة، بحيث تتشابك أقدارهما على نحوٍ مثير. ترسم هذه الرواية المكثّفة، التي وضعتها جريدة «لوموند» على قائمة ترشيحات جائزتها الأولى للكتاب، جدارية لزمن كامل، من الثمانينيات إلى يومنا. لوحة تُبرز تطوّر علاقة المرأة بالجسد والرّغبة، والحب، والأمومة، والشيخوخة والسعادة.

«ضحك الآلهة»
أناندا ديفي
(دار غراسيه)
Le rire des déesses ـــ Ananda Devi


تدور أحداث الرواية في شمال الهند، في بلدة فقيرة في ولاية أوتار براديش، وتحديداً في حي البغايا حيث تعيش «ڤينا»، وابنتها «شينتي» ذات العشر سنوات. حين ترفضها الأم، تحوطها نساء الحي بالرعاية والاهتمام. تهرب شينتي من جو الدّعارة وتعيش في عزلة، في منزل يسكنه «الهجراء»، أو النساء المنبوذات من المجتمع لأنهن ولدن في أجساد رجال مخنّثين، وحيث يسهر على راحتها «سادانا»، المتحوّل جنسياً إلى امرأة لا تعوزها الحكمة.
تنقلب أقدار الجميع رأساً على عقب عندما يقع أحد زبائن «ڤينا»، المعلّم الديني الهندوسي «شيڤنا»، في حب «شينتي» فيختطفها، مقتنعاً بأنّه قد وجد فيها ابنة الإلهة كالي القادرة على جعله إلهاً هو الآخر. يأخذها في رحلة حج إلى بيناريس. تتصاعد الإثارة حين ينتبه «شيڤنا» أثناء سعيه إلى الألوهية، إلى أن ممثلتين عن الطبقات الدنيا تطاردانه، عاهرة وهاجرة، أي «ڤينا» و «سادانا» ، للعثور عليه وقتله. 
من الضواحي الهندية حيث تنغمس ألوان الساري بالبؤس، وصولاً إلى بيناريس عاصمة الهند الروحية، تأخذنا الروائية الموريشيوسية أناندا ديفي (١٩٥٧) في رواية مثيرة وغنية لناحية طرحها أسئلة عصرنا الشاقة: مكانة النساء والمتحوّلين جنسياً، الهيمنة الذكورية، الإيمان الديني بين الروحانية والحماقة، الاعتداءات الجنسية على الأطفال واختلاجات الغضب والحب. بأسلوبها المحكم والشاعري، تكسر ديفي صمت الآلهة لتُسمع وتردّد صرخة حرب النساء على الضعف والخضوع، صرخة أشبه بضحك الربّات.

«باب رحلة بلا عودة»
دايفيد ديوب
(دار سوي)
La porte du voyage sans retour ـــ david diop


عنوان رواية الفرنسي ــ السنغالي دايفيد ديوب (١٩٦٦) هو الاسم المجازي لجزيرة غوريه التي غادرها ملايين الأفارقة خلال فترة الإتجار بالرّقيق السّود، إلى أرض السنغال التي كانت عام 1750 امتيازاً فرنسياً. يصل باحث شاب لدراسة النباتات، مُجاهراً بحلم إنشاء موسوعة عالميّة للكائنات الحيّة، على بُعد قرن من عصر الأنوار. ينقلب قدر الباحث الشاب حين يسمع بقصة شابة أفريقية نُذرت للعبودية لكنها تنجح في الفرار وتجد ملاذاً في مكان ما على تخوم الأراضي السنغالية، فتنقلب رحلة بحثه ويتبدل مصيره إلى البحث العنيد عن هذه المرأة الضائعة التي تركت وراءها آلاف المسارات والعديد من الأساطير. مستوحياً بطله من شخصية عالم الطبيعة الفرنسي ميشال أدانسون (١٧٢٧-١٨٠٦)، يدخل المتوّج بجائزة «بوكر» الدوليّة العام الماضي، الموسم الأدبي برواية قوية مستلهمة من العوالم الأفريقية القديمة حيث الكلمة ملكة. يرسم رحلة ممتعة يتشاركها الباحث وابنته ككائنين لا يتوقّفان عن الافتراق والجمع: الابنة التي هي صوت السرد أو المتلقي الأخير للدفاتر التي تروي هذه الرحلة الخفية.

«كلارا والشمس»
كازو ايشيغورو
(ترجمة دار غاليمار)
Clara et le soleil ـــ Kazuo Ishiguro


كلارا هي عبارة عن AA، أي اختصار لـ «صديق اصطناعي» وهو روبوت متقدّم عالي الأداء تمّ إنشاؤه خصّيصاً كثمرة من ثمرات الذكاء الاصطناعي لصداقة الأطفال والمراهقين. تتمتّع كلارا بموهبة غير عادية في الملاحظة، وخلف نافذة المتجر الذي تُعرض فيه، تستمتع بأشعة الشمس اللّطيفة وتدرس سلوك المارّة، وبالأخصّ الفضوليّين الذين يتسمّرون أمام الواجهة لإلقاء نظرة عليها، وبشكل أقل أولئك الذين يواصلون طريقهم من دون توقف. تأمل كلارا أن تنقلب الأدوار يوماً ما، فيهتمّ شخص ما بسلوكها ومشاعرها والتعرّف إليها عن كثب. عندما تُتاح الفرصة أخيراً ويأتي المعجَب المنتظر، يتم تحذير كلارا من أنّه من الأفضل عدم التعويل كثيراً على الوعود البشرية. بعد فوزه بجائزة «نوبل للآداب»، يُقدم لنا الروائي البريطاني ــ الياباني كازو ايشيغورو (١٩٥٤) تحفة فنية جديدة ترسم ببراعة الطريقة التي نتعلم بها الحب. هذه الرواية التي تتناول التكنولوجيا والصداقة والأخلاق ونكران الذات وما يعنيه أن تكون إنساناً، تطرح سؤالاً مثيراً للقلق بشكل واضح: إلى أي مدى لا يمكن استبدالنا، نحن البشر؟

«انفجارات داخلية»
هيام يارد
(دار إكواتور)
Hyam Yared-
Implosions


بيروت، الرابع من آب ٢٠٢٠، الساعة السادسة وسبع دقائق. ترى الراوية نفسها مقذوفة تحت مكتب معالِجتها النفسية، منبطحة بين زوجها والمعالجة نفسها بفعل الانفجار الذي نزل على بيروت كيوم الفناء. ماذا عن السيناريو الذي كان يدور في العيادة النفسية قبلها بلحظات؟ هي قصة ثنائي يمر بأزمة صعبة يستعرضها على الطب النفسي: البطلة التي تريد أن تجمع كل أدوار الحياة وتعيشها معاً، من المرأة التي تزوجت مرتين، والكاتبة «البوفوارية» التي صدر لها الكثير من الكتب، و«فقاسة» الأولاد التي أنجبت خمس بنات، وانشطار حياتها بين بيروت وباريس، بين عطشها للكتابة وأمومتها، بين غريزة الفرار وفرحة الإنجاب... سيكون على الراوية أن تدفع من طاقتها الحيوية ثمناً لهذه القوى المتصارعة، لتجد في الكتابة مواساة تعبّر عن كل هذه التشظّيات، التي تشبه تشظيات بيروت الجريحة، المقسّمة، المجزّأة بالحروب والصّراعات والأحقاد من كل جانب وصولاً إلى خرابها الأخير، والتّحول «الأورويلي» لكوكبنا بأسره نسبة لـ «١٩٨٤» رائعة جورج أورويل، وجدلية التواصل والتباعد الاجتماعي بين الكائنات. في «انفجارات داخلية»، نعثر على أسلوب هيام يارد (١٩٧٥) حيث تمتزج الفكاهة بالغضب، ويفيض السرد تأملات حول معنى الحياة، والجنس، والزواج، والأمومة، وسوء التفاهم الطويل مع الزيف في عالمنا اليوم، والحب الذي سيظل دائماً انتصاراً على الدمار.

«أوقات برّية»
ماريو فارغاس يوسا
(ترجمة دار غاليمار)
Temps sauvages ــــ Mario Vargas Llosa


مثل كلّ أعمال البيروفي يوسا (١٩٣٦) التي هي أقرب إلى آلة سرد هائلة، تنقلنا رواية «أوقات بريّة» إلى لحظة رئيسية في زمن الحرب الباردة: الانقلاب العسكري الذي نظمته الولايات المتحدة في غواتيمالا عام ١٩٥٤ للإطاحة بالرئيس الشرعي للبلاد جاكوبو أربينز.
يمكن اعتبار الرواية الجديدة ليوسا تكملة لرائعته «حفلة التيس»، لأنّ وراء الأحداث المأساوية التي تتكشف في جمهورية أميركا الوسطى الصغيرة، لن يصعب على القارئ اكتشاف تأثير وكالة الاستخبارات المركزية وعملائها في «جمهورية الموز»، ولكن سيتضح أيضاً الدور القذر للديكتاتور الدومينيكاني تروخيو، ورجله الموكل بالمهمات القذرة: جوني لآبيس غارسيا.
قام ماريو فارغاس يوسا بتحويل هذا الحدث إلى جدارية ملحمية ضخمة حيث سنرى عدداً من الشخصيات القوية البارزة، مثل جون بيوريفوي، سفير واشنطن، والعقيد كارلوس كاستيلو أرماس، الرجل الذي يخون بلاده وجيشه، أو ملكة جمال غواتيمالا الخطيرة، بالدور الذي يرسمه لها يوسا في «أوقات برية». ستصير واحدة من أغنى الشخصيات النسائية وأكثرها إغراءً وغموضاً في أعمال الروائي البيروفي العظيم.

«الذاكرة الأكثر سرية للبشر»
محمد مبوغار سار
(دار فيليب راي/ جيمسان)
La plus secrète mémoire des hommesـــ Mohamed Mbougar Sarr


عام ٢٠١٨ ، يكتشف ديجان لاتير فاي، وهو كاتب سنغالي شاب، كتاباً أسطورياً كان قد نشر في باريس عام ١٩٣٨، لمؤلِّف مفقود الأثر اسمه ت.س. إليمان، بعنوان «المتاهة اللاإنسانية»، مؤلِّف يُعرف فقط بأنه قد لقّب بـ «رامبو الزنجي» على إثر الزوبعة التي أثارها كتابه. ينطلق ديجان، مفتوناً، في تتبع درب تي. سي إليمان الغامض، حيث يواجه المآسي الكبرى للاستعمار  والمحرقة النازية، من السنغال إلى فرنسا عبر الأرجنتين. أي حقيقة تنتظره وسط هذه المتاهة؟ محاولاً أن يمسك بخيط أريان لتحرياته، يتردد ديجان في باريس على مجموعة من المؤلفين الأفارقة الشباب الذين يعيشون صخب الحياة والجنس ودسائس الشهرة الأدبية ويطرحون أسئلة قلقة حول جدوى الكتابة والإبداع في المنفى.
الكاتب السنغالي الشاب (١٩٩٠) المتوّج بـ «جائزة أحمدو كوروما» عام ٢٠١٥ وبـ «جائزة البورت دوريه» عام ٢٠١٨، يتابع تألّقه في هذا العمل مبرزاً تحدي الاختيار بين الكتابة والحياة، وإشكالات المواجهة بين إفريقيا والغرب منذ عصر الاستعمار لغاية اليوم.

«بطاقة لشخصين»
عباس بيضون
(ترجمة دار أكت سود)
Un billet pour deux ـــ Abbas Beydoun


أنطولوجيا شعرية تنهل من أربع مجموعات للشاعر اللبناني عباس بيضون على فترة تمتد ما بين ٢٠٠٩ و ٢٠١٩: «بطاقة لشخصين» (٢٠٠٩)، «صلاة لبداية الصقيع» (٢٠١٤)، «ميتافيزيق الثعلب» (٢٠١٦)، و«الحداد لا يحمل تاجاً» (٢٠١٩)، بترجمة ناتالي بونتون. مكابداً في السنوات الأخيرة غياب أصدقائه واحداً تلو الآخر، لا سيما شقيقته، والشاعر والمترجم بسام حجار، والأديبة مي غصوب، ومصاباً هو نفسه في حادث سير أدخله غيبوبة لأسبوعين وكاد أن يودي بحياته، يطلق عباس بيضون في قصائد الأنطولوجيا العنان لنبرة شعرية يختلط فيها الألم بالتأملات الوجودية، والشعور بالخسارة مع العبث، ومكرساً نفسه كأحد أهم الشعراء العرب اليوم.