نستأنف هنا عرض «الشيعة في المغرب العربي والأندلس. الجزء الثاني (الأحاديث)» (منشورات كامبريدج ــ 2021) هذا المؤلَّف الريادي ونخصّصه للجزء الثاني الذي تناول الباحث جون أندرو مورّو فيه بالذكر مجموعة من الأحاديث، وعددها 77 حديثاً، وذكر مصادرها ومن ثم تعليقه عليها، وختم المجلد بذكر الأعمال التي استشارها.

قال الكاتب في مجال حديثه عن عمله موضوع العرض بالقول: «إذا كان المجلد الأول عن [المسلمين] الشيعة في المغرب والأندلس يركز على التاريخ، فإن هذا المجلد الثاني يركز على الأدب، مع التركيز على أعمال الخميادو موريسكو ذات النزعة أو الإلهام الشيعي. نظراً إلى أن هذه الأعمال مكتوبة باللغة الإسبانية، باستخدام الأبجدية العربية، وأحياناً باللغة الإسبانية، باستخدام الحروف اللاتينية، فقد تعذّر الوصول إليها بشكل عام للعلماء الذين يتحدّثون الإسبانية لكن لا يمكنهم قراءة الأبجدية العربية للموريسكيين، وكذلك الأكاديميين الذين لا يُتقنون اللغة الإسبانية، ناهيك عن نص الخاميادو».
قال الكاتب: «الأعمال المُدرَجة في هذه المختارات متاحة بالترجمة الإنكليزية للمرة الأولى. فهي تزوّد القرّاء بمذاق أدب الخميادو-موريسكو ونظرة ثاقبة على المعتقدات والممارسات التعبّدية للمسلمين الأيبريين المشمولين. تلتقط هذه الأعمال الخوف والمعاناة والأمل لدى الموريسكيين كونهم أقلية مسلمة أوروبية مضطهدة. فقد كانوا يصرخون، كما كان يفعل الشيعة المظلومون على مر العصور: يا إمامنا الغائب! قم وتعال لمساعدتنا!» ويعلق على ذلك بالقول: «مهما صلوا، ومهما كانوا يأملون، كانوا ينتظرون واحداً، لكن مهدي أسطورة الموريسكوس لم يستجِب أبداً لنداءاتهم حيث تم استيعاب آخر مسلمين غامضين في إسبانيا بالقوة أو طردهم أو إبادتهم جسدياً لأن الهدف المفترض «تطهير الفترة الكاثوليكية أخلاقياً وروحياً»».
لم يكتفِ الكاتب بإيراد الأحاديث النبوية التي عُثر عليها في أدب الخميادو موريسكو وإنما ناقش في الوقت نفسه مختلف الآراء بخصوص مدى صحتها، وإن كانت تعدّ من الأدب الديني المسلم الشيعي. كما أورد مختلف صيغ الأحاديث وهو هدفنا من الاسترسال الآتي. فلنأخذ الحديث الأول وهو «حديث السفينة». أورد الكاتب الصيغ الآتية: «مَثَلُ أهلِ بيتي؛ مَثَلُ سفينةِ نوحٍ؛ من رَكِبَها نجا، ومن تَخَلَّفَ عنها غَرِقَ (موضوع)»، و«إنما مثلُ أهلِ بيتي مثلُ سفينةِ نوحٍ من دخلها نجا ومن تخلَّفَ عنها هلكَ [منكر]»، و«مثلُ أهلِ بيتي مثلُ سفينةِ نوحٍ، مَنْ ركِبَها نَجَا، ومَنْ تخلَّفَ عنها غَرِقَ [ضعيف]»، و«إِنَّما مَثَلُ أهلِ بَيْتي فيكُمْ مِثْلُ سَفينَةِ نُوحٍ مَنْ دخلَها نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْها هلكَ [إسناد ضعيف]»، و«إِنَّ مثلَ أهلِ بيتي فيكم مثَلُ سفينةِ نوحٍ، مَن رَكِبَها نَجا، ومَنْ تَخَلَّفَ عنها هَلَكَ [ضعيف]»، و«مَثلُ أهلِ بيتي مثلُ سفينةِ نوحٍ، مَن ركِبَ فيها نجا ومن تخلَّفَ عنها غرِق، ومن قاتلها آخرَ الزمانِ كان كمن قاتلَ مع الدَّجالِ [ضعيف]»، و«أنَّه رأى أبا ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عنه قائماً على البابِ وهو يُنادي: يا أيُّها النَّاسُ، تَعْرِفُوني؟ مَن عرَفَني فقد عرَفَني، ومَن لم يَعْرِفْني فأنا جُنْدبٌ صاحبُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنا أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ مَثَلَ أهْلِ بَيتي فيكم مَثَلُ سَفينةِ نُوحٍ؛ مَن ركِبَ فيها نَجَا، ومَن تخلَّفَ عنها غَرِقَ، وإنَّ مَثَلَ أهْلِ بَيتي فيكم مَثَلُ بابِ حِطَّةٍ [إسناده ضعيف]». مكانة الحديث التي ترد في نهاية كل واحد هي بحسب المصادر ذات الصلة.
لنأخذ أيضاً الحديث النبوي (18 في المؤلف) الذي يقول: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتِه من بابه». الكاتب يعلق على الحديث بالقول: تقليد الباب استشهد به حكيم، ابن كثير، طبراني، بازار، ابن جرير، عقيلي، السمهودي، السيوطي، الجرجاني، الدهلوي، الشبرملسي، كوراني الشافعي، الزرقاني، العجيلي، ابن تيمية، الشامي، ابن تيمية، ابن الأثير، ابن حجر الهيثمي، صبان، يماني، قاري، طلحة الشافعي، ابن رزبهان ومايبودي، وغيرهم.
مع أن المصادر الكلاسيكية تنصّ على أن الحديث «أنا مدينة المعرفة وعلي البوابة» قد تم تضمينه في الأصل في الترمذي، فيبدو أنه قد تم قمعه لأنه لم يعد يظهر في الإصدارات اللاحقة من صحيحه. والنسخة الوحيدة التي بقيت في الترمذي هي التي تقول «أنا بيت المعرفة وعلي بوابته».
ذكر الباحث جون أندرو مورّو مجموعة من الأحاديث، وعددها 77


في كتب الأحاديث السنية، يرتبط «حديث الباب» بسلطة العديد من الصحابة البارزين. حكيم يربط التقليد على السلطة النهائية لابن عباس. ويرويها بازار والطبراني عن المرجع النهائي لجابر بن عبد الله الأنصاري. الطبراني والحكيم وابن عدي ربطوه أيضاً بكتاب ابن عمر الأخير. كل من الحكيم والترمذي يرويه عن سلطة علي. بحسب المحدثين السنة، كل هؤلاء الرواة جديرون بالثقة.
وفقاً لابن تيمية، لا يمكن الاعتماد على حديث البوابة. مع ذلك، اعتبر الترمذي أنه حسن. ابن رزبهان وحكيم يعتبرانه صحيحاً. أعلى مرتبة توجد في نفحة الأزهر لخناوي حيث يصف حديث الباب بالمتواتر.
لا تظهر نسخة الجاميادو موريسكوس لحديث البوابة أنها موجودة في المصادر السنية المتعارف عليها. مع ذلك، فهو يشبه الحديث الشهير الذي صرح فيه النبي: «أنا مدينة المعرفة وعلي هو الباب» الذي ورد في عدة مصادر شيعية بما في ذلك الكولياني (864-94) والمفيد.
في حين أن المحدثين المسلمين الشيعة سيقبلون ابن عباس على أنه جدير بالثقة، فإنهم سيعطون أعلى مرتبة من الصدق لجابر بن أبي الله الأنصاري. ولا ينطبق ذلك على عبد الله (614-693) ابن عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني الذي يعتبره الشيعة الإثنا عشر ظالماً وغير صادق. في نظرهم، خان عمر النبي محمد، اغتصب الخلافة من علي وساهم في وفاة فاطمة. وعبد الله بن عمر أبو بكر وعمر وعثمان، لكنه رفض البيعة لعلي عندما تم تعيينه خليفة. قُتل علي وسيطر معاوية على الأمة المسلمة، فبايعه ابن عمر على الفور.
على الرغم من حقيقة قيام يزيد بذبح الحسين وعائلته ورفاقه في كربلاء، وإساءة معاملة نسائه عندما كانوا في الأسر، وعلى الرغم من حقيقة أن يزيد نهب المدينة المنورة وسمح لجنوده بقتل ما يقرب من ألف من صحابته وبالاعتداء الجنسي على ألف امرأة وضرب الكعبة، ظل عبد الله بن عمر مؤيداً قوياً له، مستنكراً كل من قام ضده.
قد يكون حديث البوابة موجوداً في مصادر سنية، لكن العديد من علماء السنة يقللون من أهميته أو يعاملونه على أنه موضوع. السلفيون يعتبرونه تزويراً. والمسلمون الوحيدون الذين يؤكدون صحة هذا الحديث ويتعاملون معه على أنه مركزي هم المسلمون الشيعة والصوفية، وكلاهما يشدد على مكانة الإمام علي الذي يعتبرونه الخليفة الروحي للنبي محمد.
ننتقل الآن إلى الحديث رقم 59 في المؤلف الذي يروي شعراً منسوباً إلى زينب الكبرى، لكن من المفيد إيراد الرواية الآتية ذات الصلة كما ترد في المؤلف. قال سبط بن الجوزي في «تذكرة الخواص»: «وذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب «السيرة» الذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات عبد القويّ بن أبي المعالي ابن الحبّار السعدي في جمادى الأوّل سنة تسع وستمئة بالديار المصرية قرأه عليه ونحن نسمع قال: أنبأنا أبو محمد عبد اللّه بن رفاعه بن غدير السعدي في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمئة قال: أنبأنا أبو الحسين عليّ بن الحسين الخلعي أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد النحّاس النحيي: أنبأنا أبو محمد عبد اللّه بن جعفر بن محمد بن رنجويه البغدادي: أنبأنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبداللّه البرقي: أنبأنا أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي البصري قال: لما أنفذ ابن زياد رأس الحسين (ع) إلى يزيد بن معاوية مع الإساري، موثّقين في الحبال، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اللّه (ص)، على أقتاب الجِمال، موثقين مكشفات الوجوه والرؤوس! وكلّما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له، فوضعوه على رمح وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل، ثمّ يعيدونه إلى الصندوق ويرحلون، فنزلوا بعض المنازل، وفي ذلك المنزل ديرٌ فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم، ووضعوه على الرمح وحرسه الحرس على عادته، وأسندوا الرمح إلى الدير.
فلمّا كان في نصف الليل رأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء! فأشرف على القوم وقال: من أنتم؟
قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.
قال: وهذا رأس من!؟
قالوا: رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ابن فاطمة بنت رسول اللّه (ص).
قال: نبيّكم!؟
قالوا: نعم!
قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولد لأسكنّاه أحداقنا!
ثم قال: هل لكم في شيء؟
قالوا: وما هو؟
قال: عندي عشرة آلاف دينار، تأخذونها وتعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه!
قالوا: وما يضرّنا!؟
فناولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيّبه، وتركه على فخذه، وقعد يبكي الليل كلّه! فلمّا أسفر الصبح قال: يا رأس! لا أملك إلّا نفسي. وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ جدّك محمّداً رسول اللّه، وأُشهد اللّه أنني مولاك وعبدك. ثمّ خرج عن الدير وما فيه، وصار يخدم أهل البيت.
الآن، نعود إلى الحديث 59 الذي يقول، والترجمة لنا عن الإنكليزية المترجم أصلاً عن الإسبانية:
الحبيب والمحبوب
ابن أشرف رجل
مات اليوم
تم تدميره وهو محاط بأعدائه
في صحراء كربلاء
يستريح أخي ميتاً ودفناً
يعلق الكاتب على هذا الحديث بالقول: زينب بنت علي، ابنة الإمام علي وفاطمة الزهراء، وشقيقة الإمام الحسين، كانت شيعية صريحة وشاهدة على الفظائع التي حدثت في كربلاء، والمعاملة المُهينة التي عاناها أهلها على يد الأمويين في دمشق، شجبت بتحدٍّ الاستبداد في وجه يزيد. ألقت خطباً مؤثرة للقلب وتجمعات رثاء في دمشق وأماكن أخرى، ما يضمن على نحو أساس أن تظل ذكرى الإمام الحسين ومعاناته جزءاً ثابتاً من الوعي الإسلامي الشيعي.
بصفتها خطيباً صريحاً، لن يكون من غير المتوقع أن تقوم امرأة مثقفة من نوعها بتلاوة أبيات شعرية للاحتفال بمناسبات معينة. مشكلة الشعر المذكور في المؤلف نقلاً عن المصدر الإسباني هو التزامها بالمعايير الإسبانية للقافية والمتر. وبالتالي لا يمكننا التحدث عن الترجمة الحرفية لأي شعر عربي أصلي. في أحسن الأحوال، يمكننا تصور ترجمة فضفاضة تم تكييفها مع لغة إسبانية. على الرغم من أن القصائد المعنية ليست ذات قيمة أدبية كبيرة، إلّا أنها تدل على أن المسلمين، في هذه الحالة المسلمين الشيعة، شاركوا في العصر الذهبي الإسباني، وهي فترة راوحت بين عامي 659 و1492، وازدهر فيها الأدب والفن الإسباني. وبالتالي، يجب أن تتضمن دراسات ومختارات كتابات العصر الذهبي الإسباني بعض الأمثلة الرائعة للشعر والنثر الذي أنتجه الموريسكيون. مؤلف ريادي مهم.

* Shi’ism in the Maghrib and Al-andalus, volume TWO: traditions. Cambridge Scholar Publishing (2021). extent: i-xvi, 241 pages. john andrew morrow.