1. أنا مرِيضٌ مثلُكِ يا داليدامن يدَيكِ،
تعلَّمتُ كيف أديرُ المِفتاحَ في قُفلِ الغيبِ.
فقط،
في سمائِكِ
كان يحدُثُ أن أراقِبَ النّجُومَ
في اللّيلِ والنَّهارِ،
وأمسِكَ يد الغَيمَةِ
التي تجمَّعت من دُخانِ خسائِرِي
وأبيدَهَا هُناكَ،
كي أحلُمَ مُجدَّداً بضَميرٍ مُرتَاحٍ!..
عبد الكريم وزاني ــ «حلَقَة الحياة» (زيت على قماش، 2018).

من بذرةِ الرّغبةِ في نَظرَتكِ
كنتُ أكتسِبُ المنَاعةَ
ضِدَّ الرَّصاصِ،
في أرضِ عينيكِ
لم أكُن أهمِسُ بالتَّعويذَةِ
التي حفِظتُها من أمّي ضِدَّ الخذلانِ،
كيف يُمكِنُ للخذلانِ
أن يتلَصَّصَ على أرضٍ
باركَها اللّه!..

الآن،
في حقلِ عُزلتِي
بِعصَا قلقِي
أهُشّ على قطِيع غِيابِكِ الطَّويلِ..
أنا مثلكِ يا داليدا
سأربِطُ حبلاً في سقفِ قَصيدةٍ
وأعلِّقُه على عُنُقي
وأنتحرُ..
في أغنيتِها الأخيرةِ
لم تكُن داليدا
تشدُو في الحقيقَةِ،
لكنّ غيبَ الجُمهورِ كان قاصِراً..

كانت تُغنِّي جُرحَها
وتُعلِّقُ حبلَ النَّغمةِ على عُنُقِها
مُستَكِينةً لإيقَاعِ الموتِ:

«لم أعُد أحلُم، لم أعُد أدخِّن،
أصبَحتُ بلا حكايةٍ، أنا قَبِيحةٌ من دونكَ،
أنا قَذِرةٌ من دُونِكَ..».

2. إلّا الشَّاعر
لطالما كانت هناكَ حفرٌ
ترقُصُ فيها النّيران،
وغرابيبُ سودٌ
تسقطُ كحجارةٍ من السّماءِ
برفقتِها تنِّينٌ
وأرواحٌ شرّيرة وأشباحٌ كثِيرة
يغمضُ النّاس أعينهم،
لعلّ الموت يأتِي بريئا
تماماً مثلَ خوفهم..
إلّا الشّاعر
كانَ يقمع التنّين والغرابِيبَ والأشباح
والحفر التي تشتعِلُ النّيران فيها،
يفتح في عقلِهِ قصيدةً
ويسافر نحو السكينة.
لطالما كانت هناكَ فصائل،
كلّ فصيلةٍ
تريدُ أن تجبيَ الدّماءَ
من موقعٍ ما وسط الجسد،
بيدَ أن جمِيعها متّفِقٌ
على حُمرة الدّماء..
إلاّ الشّاعر
كان دائماً يحمل في يدَهِ بندقِيّةً
لا تطلق إلّا أزهاراً
لا يأبَهُ بأيّ موضعٍ في الجسد
سوى العينين،
ومؤمنٌ ببياضِ الدّماء
وليس مستكيناً
إلاّ لفصيلة القصيدة.

3. صَدرُكِ
في حُقولِ صدرِكِ،
هذه المَحميّةُ التي تَأوِي ما لا يُحصى من المَخلوقاتِ البَرّية..
هذا الحوضُ الذي تعيشُ فيهِ حيتانٌ غريبَةٌ وأصدافٌ وطحالب..
وتنبُتُ فيهِ أعشابٌ مثمِرَةٌ للأسماكِ وللنّاظرين.

في محميّةِ صدرِكِ
تعدُو أحصِنةٌ ولا تتوقّف
ترقصُ أحصِنةٌ غير مُباليةٍ بفكرةِ تَصدُّعِ الأرضِ
من تحتِ حوافرِها،
صدرُكِ سهولٌ بَريئةٌ من الحدَباتِ والهِضاب..
تعدو غِزلانٌ ولا تتوقّف،
غيرَ آبِهَةٍ بعيونِ البَنادِقِ
ولا بِشَهوةِ الرّصاص،
هناكَ عيونٌ أمينةٌ تحرسُ حدائِقَ صدرِكِ
عيونٌ واقفَةٌ على بابَي حُلمتَيكِ..
في حوضِ صدرِكِ المائيّ
القُروشُ وديعَةٌ مثلَ الدّلافين..
البحّارونَ يصطادونَ الأسماكَ، يُقبِّلونَها، ثمّ يعِيدونَها للماءِ..
في بحرِ صدرِكِ
الجَميعُ يجَرِّبُ السِّباحةَ
ولا يخافُ من الغرق.
* آسفي/المغرب