في طفولتي... لعبنا لعبة غريبة لمرة واحدة، فقد اجتمعنا – نحن الإخوة الخمسة - لتوقّع من منا سوف يموت أولاً... وقتها، كان أحد أعمامنا قد مات قبل اجتماعنا بيومين، وتجمّع أبي وباقي الأعمام والعمات للقيام بواجبات الدفن وتلقي العزاء، ما حفز لدينا محاولة استقراء الغيب وقراءة المستقبل... فتوقّع أخي الأكبر أنه سوف يكون هو، لأنه الأكبر ولأن عمي الأكبر كان أول من مات من إخوته وأخواته وهو ما دعم موقفه أمامنا.أما أخي الأصغر، فقد اختار أختي التي تسبقه في الميلاد، لأنها مريضة دائماً، ولأنها كثيراً ما تشغل العائلة أياماً وأياماً في انتظار موتها رغم أنها كانت تقوم من رقدتها المرة تلو الأخرى سالمة تاركةً لنا القلق والانتظار...
وأنا تمنيت أن يكون الرجل الذى يظهر دائماً في التلفاز، فيقطع علينا متعة المشاهدة ويشغل وقتنا بكلام لا نفهمه ولا نستفيد منه شيئاً، ورأيت أنه الأحق بأن يكون الأول خاصة أنه كبير في السن لدرجة أني توقّعت أنه سوف ينكسر بمجرد عبور الهواء من تحت عباءته. أما أختاي... واللتان كانتا محاصرتين بالصبية من حيث الميلاد... فالكبيرة، ضحكت في وجهنا وأدارت ظهرها لاجتماعنا بعدما رمت فى وجهنا بتهمة الجنون... والصغرى المريضة دائماً، فقد شفطت الهواء حتى ملأت رئتيها به وأشارت إلى نفسها صامتة، دون أن تبذل مجهوداً لتفسر لنا... لكننا نفهم سبب الاختيار ونجدها لا تبتعد عن الصواب كثيراً... رغم حبنا لها وحزننا لمرضها.
الغريب في الأمر... أن أخي الأصغر – وهو الشخص الأوْلى بالاستبعاد من لعبة الموت- هو من مات أولاً... وأنه بعد يومين بالضبط من موته، اتصل بي من هاتف خارجي... ليخبرني أنه قد وصل إلى الجنة سالماً... وطلب أن أطمئن الجميع عليه وأبلّغهم سلامه... وأن أرسل إليه مع أقرب الواصلين إليه/ الراحلين منا ... كتاب «كيف تصنع حلماً باستخدام الورق»، ليستخدمه في القضاء على الملل الذي يعاني منه نتيجة وحدته... ورغم أنه أنبأني أنه لا يوجد كتاب بهذا الاسم بعد، لكنه كان يعرف - نتيجة لانكشاف الغيب له - أنه سوف يُكتب في المستقبل وأنهينا المكالمة على وعد بلقاء قريب.
بدأت من فوري التواصل وزيارة الأهل والأصدقاء لقراءة مستقبلهم ومحاولة استنتاج من قد يكون أقرب الراحلين ليحمل الرسالة... كما اشتريت رزمة من الورق الأبيض جعلت منها باباً لمشروع صناعة حلم لعلّي أستطيع أن أنقل له الخبرات المكتسبة في اتصالنا القادم ليتمكن من صناعة حلم - يقضي به على الملل- باستخدام الورق.

* مصر

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا