لا شيء، كلب ميت ينبح
من دون صوت
■ ■ ■
في هذا الصباح،
لِم لا أقول الليل وأكمل حكايتي،
النوم يغطّ في مكان آخر من العالم
بينما ينبح رأسي، يطارد فريسة سبقته إلى الفناء،
يعرف جيداً أنّ اللعبة لا عودة منها،
لا ثمر فيها،
مع ذلك يبقى ذاك الرأس متشبّثاً بالجسد،
يمسك به بقوّة ولا أعرف سبب
ذاك البقاء،
لسنا أصدقاء جيّدين لبعض،
ولا يجمعنا أيّ شيء
سوى درب غريب التقينا فيه صدفة،
كنت في اتجاه المنفى وحيداً،
أبحث عن أيّ مأوى يحتضنني،
وجدته هناك
يجلس على حجرة يفرك عينيه
وفيه كثير من النعاس،
وجهه شاحب اللون، في البدء خشيت أن أقترب منه،
قلت وقتها ما لي أنا والأيام،
دع هذا الغريب يأكل روحه مثلي،
نظر صوبي، قفز من مكانه، عانقني بقوة،
أتذكر جملته الأولى كأنّ وقعها الآن وليس قبل
نطفة أبي،
أنا على قيد الحياة أيها العابر
أنا على قيد الحياة أيها الغريب
ومنذ تلك اللحظة وأنا أجري
أحاول
التخلّص
من
القبْر
■ ■ ■
يكْثر
الكلب النّباح
عندما يرى ظلّه

هلْ نحتاج الشّعْر؟
قد تبدو اللغة مدعاة للضّجر
حين تمارس لعبتك الوحيدة في الطيران
تصْنع قارباً من غيمة ثمّ تضع رأسك هدفاً للسّهام
اللعبة مسلّية لدرجة البكاء
كثيرون سيلعبونها معك،
لا أحد منهم سيتمكّن من الطّيران،
سواك
ستقول في أيامك القادمة،
ليْت الرّيش يعرف طعم الفقْد!!
ليت ساعة الحائط ترتمي في حضنك
وتخبرك عنْ رجل جاء منْ تراب
وصار غراباً يعلّم روحه كيف تنقر في الغياب،
أعرف طعماً مرّاً
جرّبته يوماً حين ربّيْت الحياة في بيْتي،
وجدْتني كلّ يوم أصبغ حيطان البيت،
بألْوان غريبة التركيبة،
لا لشيء، فقط من أجل
التّكرار،
والاعتراف لاحقاً بقدرتك
على التخلّص منك
دون أنْ يكتشف أحد
أنك تنام
في قبرك
منذ النّطفة.
■ ■ ■
حسناً،
سأعتذر منْ تلك الأيّام
من تلك الدّروب
من أولئك الموْتى
من الماضي
والمستقبل أيضاً.

سأعتذر من كلّ منْ غاب
أو يفكّر في الغياب.

سأعتذر
من الباب الذي أزعجته كثيراً
من النوافذ التي أرهقتها بالإغلاق
من النهارات التي أخْطأتْ في انتظارها لي
من الأرق الذي جعلته لا ينام
من النّسيان الذي لمْ يرغبْ أنْ يكون خارج الذاكرة.
■ ■ ■
سأعتذر
من ذاك الكرْسي
وهو ينتظر الفراغ
أنْ يجلس وحيداً
دون نادل
أو رجل
سيأْتي من أقصى الليل
كيْ يكتب عن الغرباء.
***
سأعتذر
من الصّواب
وهو يستوحش كلّ أخطائي.
■ ■ ■
سأعتذر
منْ هذا
الورق
من الكتب
من الصور
من الظلال
من الصامتين
من المتعبين
من كل الحكايات التي حذفتها
سأعتذر، سأعتذر...
إذ لا أحد
هنا أو هناك
يودّعك.
■ ■ ■
لمْ تعد الْأشْياء كما هي؛
الْقصيدة
الْحياة
النّهْر
الْعصْفور
الشّجر
الْإنْسان
الْأيّام
كلّ شيْء صار يحنّ إلى نافذة.
■ ■ ■
فزّاعة الصباح،
رجل ذهب به السرير
إلى أحلامه.
■ ■ ■
لست من أهل الشعر
لا أبيع ولا أشتري في سوقه
أنا رجل يحبّ النّوْم كثيراً
يحبّ أنْ يتْبع كلّ ريشة
كلّ ورقة منْ نبات
كلّ سمكة
وكلّ ما يدعو إلى الطّيران
لا يتعبنّكم حالي،
ولا أدعوكم للسير ورائي،
هل أكمل لكم حكايتي؟
أمس عدت من رأسي،
يتردّد كثيراً في الآونة الأخيرة الهروب من الرأس،
عدت حاملاً أحلام عصفور فقد الشّهية في الطيران
أدخلته قلبي
وقبل أن أقول له تصبح على أحلام سعيدة
قرأت له حكاية كتبتْها أمّي
تقول الحكاية
يذهب الغرباء إلى الله حفاة عراة،
زادهم الحنين ولباسهم الفقْد،
قبل أنْ أكْمل الحكاية
نمْت، نمت،
استيقظت على همْهمة العصفور وهو يغنّي لي
( دللول، يالولد يبني، دللول)
■ ■ ■
السّاعة الثّانية فجْراً
كلّ ليْلة هذا وقْت خروجي إلى الْعالم،
في خضمّ وصراع النّهار معي
أتْرك رجْلي خارج الْبيْت
وأدْخل مرْتاح البال،
أحب جدّاً أنْ أكون بلا جسد في بيْتي،
الْجسد شرّ لا بدّ منْه،
شخْص حسود
لا يحبّ الْخيْر لأحد سوى نفْسه،
ها أنا أخْرج زاحفاً
الظّلام والسّكينة في الشّوارع،
بعْض الْأصْوات تأْتي بمحبّة من الرّيح
لتعانق أغْصان الشّجر،
وأفْكار رجل يزْحف نحْو طفولته الّتي شاختْ،
نحْو أحلامه الْمعلّقة في طرف ما منْ هذا الْعالم،
يأْمل في أنْ يسْتطيع النّهوض يوْماً ما
ويسْتعيد عافيته،
لكن الْغريب غريب!!!
أسْمع صوْت «القطّ» وهو يتغوّط،
قلْت لي،
ها أنْت يا مهْدي،
تشمّ رائحة الْعالم،
هنيئاً
لمنْ مات
وله قبْر
قرْب أمّه.
■ ■ ■
أفكّر
في أشْياء كثيرة
دفْعة واحدة،
مثلاً،
يوْم أمْس ذهبْت إلى الْبحْر،
وضعت صنّارتي بجانبي
وبدأْت أغنّي للسّمك،
رأيْت سفينة مهْجورة تلوذ بها الطّحالب
وكثير من الطّيور،
قلْت لنفْسي،
ها أنْت تجْمع زادك لهذا النّهار،
فاكْتبْ
في دفْترك
أنّ الْحياة
تكون أجْمل
لوْ أنّك منحْت
الْآخرين
طعْمها الْجميل.

* العراق/ هولندا

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا