اعتماد مجلس النواب اللبناني قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه، مناسب لعرض ما وصلت إليه حركة #MeToo على مختلف الصُّعد التاريخية والسوسيولوجية وتأثيراتها في مناهج عديدة منها العلوم السياسية والقانون والآداب والفلسفة، بما يثير اهتمامات النسويات والباحثات الجندريات وصانعي السياسات في مختلف بقاع العالم. كتاب «جامع القول في سياسات حركة #MeToo» (روتلدج ـ 2020 ـ تحرير جيتي شاندرا وايرما ايرلينغسدوتر) واحد من عدة كتب نُشرت منذ اندلاع حركة «مي تو»، عِلماً بأن أول من استخدم هذا التعبير المقولب (catch phrase) جهاراً، كانت العاملة الاجتماعية الأفرو-أميركية تارانا برك في عام 2006 لتأكيد الأبعاد الوبائية للعنف الجنسي داخل المجتمعات الملوّنة. علماً بأنها هي نفسها كانت ضحية الاعتداءات الجنسية عندما كانت طفلة، اختارت هذا التعبير لأنه الوحيد الذي خطر لها عندما شكت لها فتاة بأنها تعرّضت للاغتصاب. المحزن في الأمر أن هذا التعبير المقولب لم ينتشر في الغرب إلا بعدما استعملته امرأة بيضاء البشرة هي الممثلة الإيطالية أليسا ميلانو بعد أكثر من عقد من الزمن، وتحديداً في عام 2017، بما يعكس على نحو فاقع كم النفاق الاجتماعي المرافق لهذا التعبير وللحركة على نحو عام. فالصحافة (البيضاء) في الغرب لم تتبنَّ المادة إلا بعدما انتشرت جندرياً على يد الممثلة الإيطالية الشهيرة بعدما استخدمتها على شكل تغريدة انضمت إليها نحو نصف مليون امرأة فوراً تحدثن عن تجاربهن المريرة مع الرجال الذكوريين، لكنها اعترفت لاحقاً بأنها لم تكن تعرف بالأصول الأفرو-أميركية للتعبير عندما استعملته.


المقصود هنا القول إن تلك الصحافة لم تكشف المسألة وتفضح بعض المعتدين على النساء أو المجرمين بحقهن.
النفاق الاجتماعي الآخر الذي تفضحه هذه الحملة هو تغاضي المجتمع عنها، مع أن أي شخص عاش في الغرب وكان له حتى أدنى حد من التواصل مع النساء كان يعلم بمدى انتشار تلك الجائحة التي تعبر عن مرض اجتماعي، بل جائحة اجتماعية وجب التصدي لها، ويتحدثون عن صحافة استقصائية في الغرب!!
لقد اخترت هذا المؤلَّف للعرض أيضاً لأنه أحدث ما صدر عن المادة وكذلك لأنه يغطي الجوانب النظرية والتطبيقية، وأيضاً لأنه يتعامل مع التحرش الجنسي في الفضاء العربي.
محرّرتا المؤلف قالتا: «لأن أي مناقشة لهذا المجال تحتاج إلى تناولها من اتجاهات ومنظورات عدة من حيث الموضوعات والمناقشات، فقد جزّأنا فصول المؤلف إلى ثلاثة أجزاء عامة».
يحوي الأول تسعة فصول نظرية تبدأها المناضلة الأفرو-أميركية المعروفة عالمياً آنجيلا ديفيس التي تتأمّل في طبيعة النضال النسوي واحتياجاته، ثم فصول عن طبيعة الثورات، ومن بعد تحليل القوى العالمية والقانونية النشطة في الحركة، ومناقشة المعاني المتعددة الأوجه للموافقة (consent)، ثم مكانة الذكورة في الحركة، ويلي ذلك التركيز على مفهوم الإعوار (vulnerabiltiy)، ثم دراسة العلاقة بين المجهولية والشخصية (anonymity and personhood)، ومن بعد مناقشة إسكات مقاومة النظام الأبوي، وأخيراً تحليل نقاط القوة والانقسامات في النسويات الأفريقية.
فصول الجزء الثاني الثمانية تبحث في الأطر النظرية ضمن سياقات متميزة: السيكولوجيا والصدمات المصاحبة لتسمية الجرائم والجناة في حركة#MeToo ، ويلي ذلك مكان الناجي في سياسة الثورة في سياقات ما بعد الاستعمار والكنيسة. يتتبع الفصل التالي الحركة من النظرية إلى التطبيق العملي، ومن بعده إعادة نشر مدونة جاك هالبرستام هنا كفصل عن التناسق غير المتجانس للحركة في سياقات محددة (التوجه الجنسي والتعبير عن الهوية الجنسية / Sexual Orientation and Gender Identity Expression, SOGIE)، وهناك فصل خاص عن محاكمة هارفي وِنشتاين وتبع ذلك فصل عن إيجاد حلول للتحرش في مكان العمل في فترة ما بعد #MeToo، ثم فهم المرأة من ذوي الحاجات الخاصة كونها تثير المتاعب بين مثيري الشغب، وأخيراً مناقشة العرق والنشاط الجنسي في موضوع ما بعد الاستعمار في المملكة المتحدة.
يبدأ الجزء الثالث بالمسح الشامل للطرق التي سارت بها الحركة على مستوى العالم، ويمتد إلى فصول عن فرنسا وبولندا وروسيا ورومانيا والصين واليابان ودول شرق المتوسط وجنوبه وكينيا ودول أفريقية أخرى والأرجنتين ودول أخرى في أميركا الجنوبية والمكسيك والسويد. المسح الدولي هذا يناقش أخيراً إيسلندا ويختم بأهمية التضامن.
تتأمل آنجيلا ديفيس في طبيعة النضال النسوي واحتياجاته


مقدمة العمل تقول: «لقد حاولنا تضمين تنسيقات متنوعة للكتابة، من الخطب والمدونات وروايات الناجين، إلى حسابات الصحافيين، إضافة إلى المقالات الأكاديمية بالطبع. لقد حاولنا إيجاد مكان حتى للصمت، سواء كان مقصوداً أو مفروضاً. نشعر أن هذا يتماشى مع طبيعة الحركة التي تعبّر عن نفسها بأي شكل كان أو بأي شكل تجده ضرورياً وفعّالاً في أي نقطة زمنية معينة أو مفترق ظرفية، والتي تغذيها أنماط الكلام والكتابة التي هي أيضاً أشكال من النشاط. كما ندرك أيضاً أنه من منظور الغالبية العظمى من الأشخاص من الأجناس جميعها الذين أنشأوا حركة #MeToo بأصواتهم المكتوبة والمنطوقة والأداء، ونشاطهم ودعمهم بطرق مختلفة، فقد جاء الجزء الأكبر من قاعدة معارفهم من مصادر غير مطبوعة وغير أكاديمية. لقد حاولنا تجميع هذا المورد في الاعتراف بهذه الطرق المتباينة لإنتاج المعرفة ونشرها. لقد قيل: من المستحيل سدّ تيار من أجل دراسة حركته، لكننا نشعر أنه بفتح البوابات لأنماط مختلفة من التعبير، قطعنا شوطاً صغيراً نحو تحقيق هذه الاستحالة».
نحن نرى هذا المؤلف الدليل على أنه عمل قيد التقدم، مثل حركة #MeToo نفسها. لكن هناك الكثير ما لم تتم تغطيته هنا: الطاقة النارية للموسيقى والشعر والفن التي ألهمتها الحركة والتي ألهمت الحركة. أخيراً، في ظننا أن الفصول السابقة توفّر خريطة طريق مؤقتة لمزيد من البحث والعمل في المجالات التي تمّ التطرق إليها.

* The Routledge Handbook of the Politics of the #MeToo Movement- Routledge 2020

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا