أراد القدر أن توافق الذكرى العاشرة لرحيل نجيب محفوظ (1911 ــ 2006)، الأسابيع الأولى لرحيل نديمه وتلميذه جمال الغيطاني (1945 ــ 2015)، ليكون احتفال «معرض القاهرة الدولي للكتاب» بعشرية رحيل صاحب «نوبل»، موافقاً لاختياره صاحب «الزيني بركات» شخصية العام لدورة كانون الثاني (يناير) 2016، وهي الدورة 47 في تاريخ المعرض.
كانت تلك إرادة القدر. أما إرادة النيابة العامة المصرية، فشاءت ألا تكتمل فرحة المثقفين بحكم البراءة الذي أصدرته المحكمة لصالح الروائي أحمد ناجي، ورئيس تحرير «أخبار الأدب» طارق الطاهر، لنشر الجريدة فصلاً من رواية الأول «استخدام الحياة». فصل اعتبره المدّعي في القضية «مقالاً خادشاً للحياء»، فما أن برأت المحكمة «المتهمين»، بعد شهادة عدد من رموز الفكر والأدب لصالحهما، حتى سارعت النيابة إلى الطعن على حكم البراءة، لتستمر القضية في التداول في أروقة المحاكم، وليُقبل معرض القاهرة للكتاب، محتفياً بالغيطاني، بينما رئيس تحرير الجريدة التي أسسها صاحب «التجلياّت» مهدد بالسجن، وكذلك الروائي – والصحافي فيها-أحمد ناجي... فأيّ سخرية!
لكن تلك المفارقة (الاحتفاء بروح المؤسس، بينما يتم التنكيل بما أسسه) ليست عابرة ولا مصادفة. فهي تتضح على نحو أوضح في قضية إسلام بحيري، باحث الإسلاميات المصري الذي يقبع الآن في السجن بالفعل بتهمة ازدراء الأديان. فقد بدا صوت إسلام القوي، وبرنامجه التلفزيوني الجماهيري، كما لو كان يستمد الثقة من رؤية عبرت عنها الدولة في أعلى مستوياتها، ممثلة في رئيس الجمهورية ذاته، بضرورة إصلاح الخطاب الديني، والتخلص من أفكار العنف والكراهية التي «أساءت إلى الإسلام نفسه». غير أن الدولة سرعان ما عادت «لتصحيح» ثورتها الدينية، معتبرة أن تلك المطالبات بالإصلاح الديني موجهة إلى المؤسسات الدينية و«علماء الدين»، لا إلى غيرها وغيرهم، ومن ثم فقد التقطت مؤسسة الأزهر الخيط، وأعلن رجالها مراراً رفضهم لأفكار بحيري، ما أدى إلى وقف برنامجه أولاً، ثم حبسه ثانياً (بحكم خمس سنوات خففت إلى عام واحد) إثر دعوى رفعها أحد المواطنين يتهمه بازدراء الدين الإسلامي.
وتأبى المفارقة إلا أن تجعل من موعد جلسة استشكال بحيري ضد الحكم بحبسه، (استشكال يقدمه وهو مسجون بالفعل)، أن تجعلها يوم 26 يناير، أي بين يومين فارقين، ذكرى ثورة 25 يناير، وافتتاح الدورة الجديدة لمعرض القاهرة للكتاب في 27 منه. كأنما تقدم المفارقة رمزاً يربط الثورة بالكتب وبالإصلاح الديني، كأنما تقول إن قوانين «ازدراء الأديان» و«خدش الحياء» ستبقى عائقاً بين مجتمع حر وواع، وبين ثورة تصارع بين أن تنجح أو أن تبقى مجرد «ذكرى».