في دورته الـ 47، يطمح «معرض القاهرة الدولي للكتاب» الذي ينطلق الأربعاء المقبل حتى العاشر من شباط (فبراير)، للوصول إلى مرحلة الرقمنة بما يلائم طموح الرئيس الجديد لهيئة الكتاب المنظمة للمعرض هيثم الحاج علي. يؤكد الأخير في تصريحاته أنّ الدورة الجديدة اعتمدت تطوع الشباب. خلال العام الماضي، أنجز طلاب في كلية الهندسة في جامعة الأزهر تطبيقاً لخريطة المعرض وقائمة الكتب والفاعليات المتاحة من خلاله. سجل هذا التطبيق 15 ألف تحميل خلال فترة المعرض. أما هذا العام، فأهدى الطلاب التطبيق للمعرض لاستخدامه مرة أخرى. يؤكد الحاج علي أنّ «المعرض مفتوح لكل التيارات والاتجاهات، والتركيز سيكون على الرؤية الشابة من حيث التنظيم والفاعليات». رغم هذه التصريحات المتفائلة، إلا أنّ ثمة مخاوف تتعلق بعودة الرقابة بعدما غابت بفضل المد الثوري الذي خلقته «25 يناير». تتعزز هذه القناعة مع ما شهدته الأسابيع الماضية من إجراءات إغلاق طالت بعض الفضاءات الثقافية الفاعلة مثل «تاون هاوس» و«روابط» و«مركز الصورة المعاصرة»، الى جانب بعض التحرشات الإدارية والأمنية التي طالت مؤسسات أخرى مثل «استديو عماد الدين» و«دار ميريت» التي رفعت سقف النشر في مصر منذ تأسيسها قبل حوالى 16 عاماً. ثم سيكون أداء الرقابة الأمنية فاصلاً في الاختبار الذي يرفعه المعرض في شعار ندواته الفكرية وهو «الثقافة في المواجهة»، على اعتبار أن الثقافة هي حائط الصد الرئيس للدفاع عن المجتمع كما يشير الحاج علي، مؤكداً أنّ خطته الرئيسية حماية حرية النشر واحترام قوانين حماية الملكية الفكرية، إذ «لا مصادرة بدون حكم قضائي».
هذه السنة، يحافظ المعرض على سمته الرئيسة كحدث ثقافي شعبي، اذ يشهد حوالى 560 فاعلية موزعة على الندوات ومناقشات الكتب، وورش الأطفال، والعروض الفنية، والعروض الموسيقية ذات الطابع الشبابي أو التراثي. ويسعى المعرض إلى كسر هيمنة النشاط الادبي على فعالياته، فيستضيف المهندس المصري المعروف هاني عازر وينفتح على الأدب العالمي باستضافة عدد من الكتاب الصينيين، على اعتبار أنّ العام هو «عام الثقافة الصينيية في مصر». ويواصل تقليد الدولة ضيف الشرف باستضافة البحرين كـ «نموذج عريق من الممارسة الثقافية والبرلمانية ومعبرة عن ثقافة الخليج». الا أنّ جدول الفاعليات غابت عنه أسماء مؤثرة في الثقافة البحرينية مثل الشاعر قاسم حداد والقاص أمين صالح.
تقدم الدور الهامشية والمستقلة التي تعتمد على إنتاج الشباب المبدعين مثل «الكتب خان» و«الكرمة»

ويشارك في المعرض 34 دولة منها 21 دولة عربية وأفريقية. كما يشارك 850 ناشراً منهم 50 أجنبياً، و250 عربياً، و550 مصرياً، بالإضافة إلى 118 كشكاً في سور الأزبكية. شخصية المعرض هذا العام الكاتب الراحل جمال الغيطاني الذي يخصص له محور ومجموعة من الفعاليات. كما ستقام ندوات في ذكرى مرور عشر سنوات على وفاة نجيب محفوظ.
ويستضيف المعرض الحائز جائزة البوكر العام الماضي الروائي التونسي شكري المبخوت، والمغربيين أحمد المديني، وحسن أوريد، وجورج قرم، كارلو روفايللي من فرنسا.
وبعيداً عن جداول الفعاليات والأنشطة، يظل السؤال حول مدى قدرة المعرض على تحسين سوق النشر في مصر الذي يعاني العديد من التشوهات أبرزها الصراع غير المتكافئ بين النشر الحكومي والنشر الخاص، وغياب صور الدعم الحكومي للنشر المستقل، إذ أدى اضطراب الوضع السياسي في السنوات الخمس الأخيرة إلى تدهور في معدلات البيع برغم التوسع في عمليات القراءة التي اعتمدت على القرصنة والاعتداء على حقوق الملكية. أمر جعل صناعة النشر وخاصة الكتب مهددة بسبب سرقة الكتب وتزويرها التي شاعت في المعرض في السنوات الأخيرة، لا سيما في المساحة المخصصة لسور الأزبكية الذي تحوّل دوره من بيع الكتب القديمة إلى بيع الكتب المزورة والمقرصنة.
حتى الآن، ثمة فشل واضح في محاصرة هذه الظاهرة رغم استغاثات اتحاد الناشرين الذي يشارك مشاركة هامشية في عملية التنظيم التي تهيمن عليها الدولة بصورة كاملة وتُرفض اقتراحات اتحاد الناشرين بتنظيم المعرض وفقاً للمعايير المتبعة في اغلب دول العالم، أو دفع الدولة للتوسع في تأسيس المكتبات العامة أو إعادة هيكلة مشروع مكتبة الأسرة وتبني خطة قومية للقراءة. اقتراحات تواكب ظاهرة نوادي القراءة والمكتبات الخاصة التي نجحت في استقطاب العديد من الشباب لمتابعة الإصدارات الجديدة.
الأرقام المتضاربة لا تساعد في استجلاء حقيقة وضع النشر الذي شهد العام الماضي جملة من المفارقات أبرزها تراجع بارز في حجم منشورات «دار الشروق» التي كانت تستحوذ على الحصة الأكبر من السوق بفضل تعاقداتها مع كبار المؤلفين المصريين والعرب، في حين تقدمت الدور الهامشية والمستقلة التي تعتمد على إنتاج الشباب المبدعين مثل «الكتب خان» و«الكرمة»، وتوسعت دور أخرى باعتمادها على الدعم الذي تقدمه المراكز الثقافية الأجنبية وشراء الحقوق لأعمال أدبية وفكرية من الخارج مثل «صفصافة» و«العربي للنشر والتوزيع». وظلت «دار العين» التي كانت صاحبة النصيب الأكبر في قوائم جوائز «بوكر» العربية عبر السنوات السابقة في المساحة الآمنة عبر رهانها على جذب المؤلفين العرب لنشر أعمالهم في السوق المصرية، على أمل الوصول الى عدد كبير من القراء قياساً لحجم سكان مصر. هذا الى جانب النشر لمختلف أجيال الكتابة. صيغة تعمل بها أيضاً «الدار المصرية اللبنانية» لتي نجحت أخيراً في تأكيد هيمنتها على السوق بالاستحواذ على أعمال إحسان عبد القدوس واستقطاب نقاد بارزين أمثال صلاح فضل، وجابر عصفور، ومبدعين في دائرة الكتاب الأكثر مبيعاً مثل مكاوي سعيد وابراهيم عبد المجيد.