تُعرف الإبادة الجماعية تاريخياً بأنها القتل الجماعي المنظّم لمجموعة من الناس، لكنها في الواقع ظاهرة دقيقة ومعقّدة للغاية. في كتابه «إعادة تعريف الإبادة الجماعية: الاستعمار الاستيطاني والموت الاجتماعي والإبادة البيئية» (زد بوكس ــ 2016)، يعيد الكاتب، دَمْيَن شورت، التفكير منهجيّاً في كيفية وصف الأوساط الأكاديمية حالياً للإبادة الجماعية وكيفية وجوب تحديدها مستقبلاً، ويحاول سدّ ما يسمّيه «الصلة بين الإبادة الجماعية والإبادة الجماعية البيئية» من أجل تقديم مفهوم أكثر قوّة للإبادة الجماعية في اللحظة الحالية لتغيّر المناخ العالمي.

كما يسعى إلى توسيع فئة الإبادة الجماعية لتشمل «الإبادة الجماعية الثقافية» التي لا يمكن فصلها عن تدمير مجموعة اجتماعية، خاصّة في ما يتعلق بآثار الإبادة الجماعيّة المستمرّة للاستعمار الاستيطاني. الكاتب، وهو بروفسور متخصّص في مادة حقوق الإنسان ومدير «اتحاد حقوق الإنسان»، يعتمد أساساً على أعمال رفائيل لِمكين، الذي غالباً ما يُشار إليه على أنه مؤسّس «اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية»، ويسلّط الضوء على «الطابع الاستعماري المتأصل للإبادة الجماعية» والطرق التي يتمّ بها تنفيذها عبر الدمار البيئي الذي تتأثر به الفئات الاجتماعية الضعيفة والمحرومة والمستعمَرة، ومركّزاً على قضايا الساعة التي لم تتم مناقشتها على نحو معمّق مثل فلسطين وسريلانكا وأستراليا ورمال القطران في ألبرتا/ كندا، من خلال الفحص المكثّف لقضايا الساعة، كالتكسير الهيدروليكي والتدمير البيئي ومستوطنات الضفة الغربية. كما يكشف عن الأدوار الرئيسة التي يؤدّيها الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية والموارد المحدودة والأزمة البيئية في دفع الموت الاجتماعي للإبادة الجماعية على نطاق عالمي.
يستكشف الكاتب هذه الرابطة الأكبر من خلال سلسلة من أربع دراسات تقع أول اثنتين في سياقات زمن الحرب، بينما تقع الدراستان الأخيرتان في سياقات «زمن السلم». فصل دمين شورت عن فلسطين الذي شاركت في تأليفه هيفاء راشد، يربط النقاط بين «إسرائيل» كمشروع استعماري استيطاني، ومصادرتها للأراضي الفلسطينية والضرر المتعمد الذي لحق ببيئة فلسطين (مثل تصريف النفايات غير المعالجة)، وهجماتها على الممارسات الثقافية الفلسطينية. الفصل الخاص بسريلانكا الذي شارك في تأليفه مع فيناي براكاش، يركز في المقام الأول على الصراع العنيف بين السكان السنهاليين والتاميل. كما يوضح كيف أصبحت أجندة «التنمية» لما بعد الحرب «الأساس المنطقي المفضّل لعمليات الترحيل السكاني المعاصرة وهو سبب النزوح الكبير لشعب التاميل من أراضيه وتدمير سبل عيشه»، ما يشكّل شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية في حدّ ذاته.
يكشف عن الأدوار الرئيسة التي يلعبها الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية


الفصلان التاليان يتوسّعان في هذا الموضوع أولاً بدراسة علاقات الحكومة الأسترالية بمختلف مجموعات السكان الأصليين ويتطرقان إلى تاريخ المذابح التي قادها المستوطنون بإيجاز. بدلاً من ذلك، يركز الكاتب على السياسات الحديثة مثل قانون الاستجابة لحالة الطوارئ في الإقليم الشمالي لعام 2007 والذي تضمن إجراءً إلزامياً لحيازة الأراضي كان من شأنه أن يفتح أراضي السكان الأصليين لاستغلال الموارد على نطاق واسع. كما يلاحظ الكاتب أنه على الرغم من أن الموت الاجتماعي للإبادة الجماعية قد ينتج من دون وجود نيّة محددة للتدمير، وبغضّ النظر عن الدوافع الكامنة، فمن المؤكّد أن المصادرة القسرية للممتلكات متعمدة، وممارسة السيطرة القسرية على حياة الناس متعمدة، والتحركات لإجبار الناس قسراً على ترك أوطانهم المقدسة متعمّد.
أخيراً، يحلل دَمْيَن شورت (مع مؤلفه المشارك جينيفر هوسمان) استغلال رمال القطران الواقعة في شمالي ألبرتا، ويصف هذا الاستغلال بأنه إبادة جماعية مستمرة موجهة ضد الجماعات الأصلية التي تعيش هناك، من خلال الاستيلاء على أراضيهم وتسميم أجسادهم. كما يجادل الكاتبان بأن هذا التطور يشكّل إبادة جماعية محتملة ضد الإنسانية بشكل عام، بالنظر إلى أن استخراج قطران الرمال وحرق نفطها، سيدفعان، وفقاً لأحدث الدراسات، تغير المناخ العالمي إلى ما بعد «نقطة اللاعودة».
نقطة أخيرة وجب لفت الانتباه إليها أن المؤلَّف يكشف عن الأدوار الرئيسة التي يؤديها الاستعمار-الاستيطاني والرأسمالية والموارد المحدودة والأزمة البيئية في دفع الموت الاجتماعي الإبادي الجماعي على نطاق عالمي. هذا العمل يؤكّد أهمية أن إعادة تعريف الإبادة الجماعية قراءة أساس للطلاب والباحثين في دراسات الإبادة الجماعية.

Redefining Genocide: Settler Colonialism, Social Death and Ecocide - Zed Books

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا