لا يمكن حصر خيارات القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» هذه السنة، إذ حملت تنوّعاً في الجنسيات، والأساليب والمشاغل الأدبيّة التي راوحت بين فترات الحكم السياسية والأصوات النسويّة، والملاحم العائليّة وعلاقاتها الشائكة. غير أن التوجّه الأساسيّ الذي يمكن تلمّسه هو في اختيار لجنة التحكيم (ترأسها الناشرة والناقدة الأدبيّة مارغريت بازبي، كلّ من الكاتب لي تشايلد، والكاتب والناقد سمير رحيم، والكاتب ليمن سيساي، والمترجمة إميلي ويلسون) هذه السنة عدداً كبيراً من الباكورات الروائية، وصل أربع منها إلى القائمة القصيرة.
(أ ف ب ــ كليف سميث)

منذ عقد تقريباً، لم ينَل الجائزة أيّ عمل روائيّ أوّل، إلّا أن الإسكتلندي دوغلاس ستيوارت (1976) خطف الجائزة البريطانية أوّل من أمس، عن باكورته «شَغي باين» (صادرة عن دار نشر Picador)، مطيحاً بخمسة مرشحين آخرين وصلوا إلى القائمة القصيرة هم: الزيمبابوية تسيتسي دانغيريمبغا (عن The Mournable Body)، والهندية آفني دوشي (عن «سكّر محروق»)، والأميركية ديان كوك (عن «البرية الجديدة»)، والأميركي براندون تايلور (عن «حياة حقيقيّة»)، والإثيوبية مازا مينغيست (عن «ملك الظلّ»). ستيوارت الذي يعمل كمصمّم أزياء في نيويورك هو ثاني الفائزين الإسكتلنديين بالجائزة، بعد جيمس كيلمان الذي حصد الجائزة سنة 1994. في تجربته الأدبية، مجموعة قصص قصيرة نشرها في «النيويوركر»، فضلاً عن رواية ثانية أنهى كتابتها أخيراً بعنوان Loch Awe. أمّا روايته الأولى «شَغي باين» التي تحمل اسم البطل، فهي حصيلة عقد كامل من العمل، أمضاها في العودة افتراضياً إلى اسكتلندا. إنها سيرة روائية، يستعيد فيها ستيوارت طفولته برفقة أمه المدمنة التي رحلت وهو في السادسة عشر من عمره. ليس هذا إلّا موجز فكرة الرواية، التي وصفتها رئيسة لجنة التحكيم المحرّرة والناقدة الأدبيّة مارغريت بازبي بأنه كان «مقدّراً لها أن تكون رواية كلاسيكية»، مضيفة أنها «صورة مؤثرة ودقيقة لمجتمع ولشعبه وقيمه».
في السنوات الفائتة، خيّم حديث الهويات على الجائزة الأدبيّة، بالتزامن مع استنكار البريطانيين لسيطرة الكتّاب الأميركيين على القائمة القصيرة. وبالنسبة إلى اسكتلندا، فقد أشار ستيوارت الذي يحتفظ بمؤلفات الفائز الإسكتلندي الوحيد بالجائزة على رفوف مكتبته، إلى أنه «عندما فاز جيمس كيلمان في منتصف التسعينيات، كان لا يزال يُنظر حينها إلى الأصوات الإسكتلندية على أنها مزعجة وشاذّة... لم يكن أمر الفوز بالنسبة إلى الأطفال الذين نشأوا مثلي في الثمانينيات، قابلاً حتى في الحلم». حتى رغبته في دراسة الأدب الإنكليزي لم تكن واردة لأنه كان يعدّ اختصاصاً للطبقة الوسطى، كما قال في إحدى المقابلات. عوالم الرواية نفسها لا تبتعد عن الواقع السياسيّ والاجتماعيّ البائس في غلاسكو حينها، خلال فترة حكم رئيسة وزراء بريطانيا حينها مارغريت تاتشر. العمل الذي يعدّ بورتريهاً نفسيّاً ودراميّاً لعائلة متشظيّة، يدور أيضاً حول تشظٍّ أوسع في المدينة، وبؤس يصيب أبناء غلاسكو الثمانينيات. شخوص افتقدت معنى الحياة ومضت تبحث عنها في أبسط المهن وأكثرها مشقّة، فيما استسلم الآخرون منهم لليأس والإدمان. واقع فجّ، يكتبه ستيوارت بلغة رقيقة تنفُذ إلى القارئ من خلال صور وتوصيفات للعائلة والعنف والجنس، كما أشاد عدد من النقّاد. تحضر هذه الأرواح التائهة في الرواية كخلفيّة لحياة شَغي الذي يستكشف هويّته الجنسيّة المثليّة، ولعلاقته بوالدته أغنيس المدمنة على الكحول، حيث يُسهب الكاتب في استعادة كلّ تناقضات شخصيّتها، وخيباتها وأحلامها المتلاشية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا