في مُقابل رواية محورها كوفيد_19، قد يسأل قارئ عن جدوى أيّ كتابة روائيّة راهنة، في استرجاع بداية قصّة فيروس كورونا المستجدّ، بخاصّة بعدما حاصرت الميديا الناس بأخباره، لا سيّما في الأشهر الأولى التالية لخروجه من محافظة ووهان الصينيّة في اتجاه بقاع الأرض، فإعلانه «وباءً عالميّاً» من قبل منظّمة الصحّة العالميّة؟ قد يمتدّ سؤال القارئ، حتّى استذكار بديهيّة ضرورة أخذ الكتابة الروائيّة مسافة من أي حدث لا نزال نعيش بحسب إيقاعه، لأنّه بدون «هضم» هذا الحدث أقلّه، سيطلّ التسرّع برأسه، فالفيروس ما زال يكركب معيشتنا، ويجعلنا في معظم الأحيان مستسلمين لواقعه الثقيل على أيّامنا المرتبطة مجرياتها بعدّاد إصاباته ووفياته!


ردّاً على سؤال الجدوى، تقدّم مقدّمة رواية «التاج اللعين» (دار سائر المشرق) للكاتب الفرنكفوني اسكندر نجّار، إجابةً مفادها أنّ «لكلّ شخص مقاربته، وزاويته، ونبرته» في تناول الموضوع، «بما أن الأزمة عالميّة». وهي تدحض أمر التسرّع، مُستشهدة بـ«عناد الشهادة» العزيز على قلب ألبير كامو، معتبرة «أنّنا بحاجة إلى مئات الكتب والأفلام، كما حدث في أعقاب الحربين العالميتين، لإخبار الأجيال المبكرة عمّا يصعب شرحه لنا اليوم. فالكتابة عن أمر آخر الآن ستكون غير لائقة وغير مسؤولة». وبالتالي، تبدو المقدّمة مقنعة، ومستدركة أسئلة قارئ متطلّب. والمقدّمة ما هي سوى رسالة من الكاتب غودانز إلى ناشر كتبه مارك. غودانز الذي ينقل في مخطوطه المفترض قصصاً محورها الوباء في كلّ من ووهان، وباخرة «الأميرة الماسيّة» الراسية في يوكوهوما، وباريس وميلانو ونابولي وبيروت وطهران ومدريد وواشنطن. لكلّ جغرافيا فصل أو أكثر، وشخصيّات تسترجع بصيغة الأنا المعلوم من أخبار الوباء، بلغة عربيّة مترجمة (الكتاب وُضع في الفرنسية، وبنسخة رقميّة، أوّلاً) أنيقة، مع الإشارة إلى سعة معرفة الراوي بكلّ جغرافيا يوردها مكاناً في قصصه؛ ثقافاتها ويوميّاتها وتفاصيلها، ولو أنّ الأبطال يبقون غالباً على السطح، وكنه شخصياتهم لا يخرج إلى العلن سوى قليلاً.
ومن الشخصيّات صحافي أميركي مؤمن بنظرية المؤامرة، وإيطالي كابد للهروب إلى نيس بعدما حصد الوباء آلاف الضحايا في نطاق سكنه، وطبيب شرعي إيراني رفض التزوير مهما كلّف الأمر... لا يقفز عن «هامشيّة» الشخصيّات في التأثير في قارئ متخم من مستجدّات الفيروس، إعلاميّاً، سوى الراهب اليسوعي المشارك في انتفاضة 17 تشرين بفعاليّة، في فصل بيروت. فالراهب المؤمن بقدرة الإيمان على إزاحة الجبل، وبالتالي في مساعدة الإيمان في الخروج من محنة فيروس كورونا، لم يجد في مواجهة مؤمنين مسيحيين «أصوليين» بدّاً من إيقاف القدّاس في الكنيسة، التي شهدت بلبلة إثر قراره وضع القربان المقدّس على راحات المصلّين بدلاً من مناولتهم مباشرة في الفم، عملاً بتعليمات الأسقف الاحترازيّة من الوباء. «لا يمكنك أن تكون نصف ثوري» بحسب الراهب، الذي يحفّز على السؤال، عند الفراغ من الفصل المتعلّق به: كم كانت رواية «التاج اللعين» السهلة التي يحملها القارئ بين يديه ستغادر طابعها التوثيقي غير المشوّق في أكثر الفصول، وسردها المحموم، في اتجاه عالم روائي غنيّ وأكثر بطئاً، لو أنّها غاصت في هذه الشخصيّة الفريدة وحدها، في صفحاتها المئة والواحدة والأربعين، في خلفيّة تبدو فيها انتفاضة لبنان والوباء؟ رواية، بدلاً من أن تكون مرآة عن الوباء على غرار الميديا، ترسم فضاء بطله عنصر في «الجيش الأسود» اللبناني زمن الجائحة.
العالم الروائي يضعف كلما شابهت فصوله قصص الميديا


الفيروس تاجيّ الشكل الذي يذكرنا في كلّ يوم أن مصائر البشر متشابهة إزاءه، مهما كانت جنسيّاتهم، وأن معظم الحكومات قصّر في التعاطي وأهواله، بدأ في اختراق عالم الرواية. وفي رصد ما كتب عنه بعد حين، ستكون «التاج اللعين» بين أول النتاجات المتعلّقة بالفيروس، يساعدها في الانتشار تعدّد اللغات التي صدرت فيها (الفرنسية والإسبانبة والعربية). أمّا في شأن الأثر، فإذا تجاوزنا مقدّمة غودانز والخاتمة المحبوكتين، فالأمر نسبيّ بحسب القارئ، ولو أن العالم الروائي يضعف كلما شابهت فصوله قصص الميديا!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا