يناقش كتاب «المساعدة والإغواء: المساعدات الخارجية الأميركية وعنف الدولة» (منشورات جامعة ستانفورد ـــ 2020) الادّعاء السائد بأن المساعدات الخارجية تساعد البشر على التغلّب على الفقر، وفي الوقت نفسه قد تكون مضيعة للمال والجهد. الكاتبة، جسيكا تريسكو داردن الأستاذة المساعدة في American University’s School of International Service تناقش هذا الادعاء وما يرتبط به من عوامل اعتماداً على وثائق رسمية بما فيها تلك العائدة لوكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الاتحادي، التي رفعت السرية عنها.

النقطة الرئيسة التي تناقشها الكاتبة في فصول هذا المؤلف الستّة هو كيف أن برنامج المساعدات الخارجية يسهّل عنف الدولة، وتقول إنه غير متماسك ويتأرجح باستمرار بين دعم الصالح العام وتعزيز أمن أميركا ومصالحها الدبلوماسية. لكن بعد سبعين عاماً من التنازلات، غالباً ما تؤدي المساعدات دوراً في دعم منتهكي حقوق الإنسان، لكن من دون فائدة سياسية واضحة. كما تناقش الرأي بأن المساعدة الغذائية أو المساعدة الإنسانية غير ضارة بطبيعتها وأن المساعدة العسكرية غالباً ما تكون ضارة، لكنها ترى أن الواقع العملي عكس ذلك في بعض الأحيان.
تقول الكاتبة إنّ للمساعدات الخارجية آثاراً سلبية عميقة في الدول المتلقية في بعض الأحيان، إذ تزداد احتمالات نشوب حرب أهلية وزيادة تمكين انتهاكات حقوق الإنسان، وقدرة المتلقين على تسليح المساعدات يمكن أن تزيد من طول الحروب وكلفتها.
تقول الكاتبة إنّها استخلصت ثلاث رؤى قائمة على الأدلة التي ينبغي أن تساعد في إعادة التفكير في مسألة المساعدات الخارجية وتقترح بعض المبادئ لتنشيط برنامج المساعدات الخارجية الأميركي ومنحه جوهراً إيجابياً.
1) من السهل على المستفيدين التلاعب بالمساعدات الخارجية، وخاصة المساعدات الغذائية، ذلك أن المساعدة الاقتصادية الأميركية ارتبطت باستمرار بزيادة عنف الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان أثناء الحرب الباردة وبعدها. فالمساعدات الخارجية عرضة بشكل خاص للتحويل عندما يمكن استبدالها أو بيعها نقداً بسهولة؛ ويمكن الاستيلاء عليها من قبل الدولة أو الجماعات المسلحة وتوزيعها على مؤيديها فقط.
برنامج المساعدات يتأرجح بين دعم الصالح العام وتعزيز أمن أميركا


2) تقديم المساعدة الاقتصادية أو الإنسانية يمكن أن يسهم في استخدام الحكومة لقمع مواطنيها وتمكين انتهاكات حقوق الإنسان أو إطالة أمدها. فخلافاً للاعتقاد السائد، عند تقديم المساعدات الخارجية إلى الحكومات غير الآمنة سياسياً، يمكن أن تزيد في الواقع انتهاكات حقوق الإنسان، وتدعم عنف الدولة، وتطيل الحروب الأهلية. يتم ذلك من خلال آليتين هما:
أولاً: تأثير الدخل: في بيئة سياسية مقيدة، مثل الحرب الأهلية، تحرّر المساعدات الخارجية الموارد التي يمكن لنظام متنازَع عليه أن يكرسها بعد ذلك لخدماته العسكرية والأمنية.
ثانياً: تأثير بناء القدرات: يتم تخصيص المساعدة بشكل مباشر للأجهزة العسكرية والأمنية للدولة، وتقدم مثالاً على ذلك أن الدعم الاقتصادي الأميركي للحكومة العسكرية السلفادورية أثناء ملاحقتها لحرب وحشية ودموية ضد التمرد اليساري في الثمانينيات غذى الحرب وأطال أمدها، وساهم بالتالي في قتل أو اختفاء أكثر من 75000 شخص على مدى اثني عشر عاماً.
3. تقديم المساعدة العسكرية قد يساعد في الواقع في دعم حقوق الإنسان، وليس في إعاقة ذلك. كما أنّها تزيد من الحرفية العسكرية وقد تقلل من احتمال انخراط الجنود في انتهاكات غير مهنية لحقوق الإنسان.
لذلك على صانعي السياسة الأميركية:
• الموازنة الجدية بين التكاليف والفوائد والآثار الأخلاقية للتدخل في السياسة والاقتصاد والمجتمعات للآخرين. وحيثما أمكن، تأكد من أن برامج المساعدة الأجنبية تتوافق مع مبدأ أنها لا تؤذي.
• جعل حقوق الإنسان والحريات نقطة محورية، وليس مجرد نقطة حوار، في سياسة المساعدة الخارجية.
• إعادة النظر في الترتيبات التي لا تدعم حقوق الإنسان وضرورة إعادة النظر في مقايضة طويلة الأمد مع الدول التي لا تلتزم بالمعايير الأميركية لحقوق الإنسان والديمقراطية حتى بعد عقود من الدعم الأميركي، بما في ذلك مصر والأردن وباكستان وإثيوبيا.
على الرغم من أنه قد تسبب في كثير من الأحيان بضرر كبير في الماضي، إلا أن برنامج المساعدات الخارجية الأميركي المعاد تركيزه وتنشيطه لديه القدرة على أن يكون قوة كبيرة لتوسيع الحرية الإنسانية.
رغم أهمية بعض تحليلات الكاتبة واحتواء مؤلفها على إحصاءات مهمة، نأخذ عليها تجاهل تأثير المساعدات الأميركية لكل من العدو الصهيوني وقيادة ميليشيا رام الله وكيف أنها تساهم في تقوية اضطهاد الشعب الفلسطيني وقمعه. كما نأخذ على الكاتبة عدم أخذ وجهات نظر الذين عانوا جراء «المساعدات الأميركية» في الاعتبار.
كلمة أخيرة: لنتذكر أن الشيء المجاني الوحيد هو قطعة الجبن في مصيدة الفأر.

Aiding and Abetting: U.S. Foreign Assistance and State Violence

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا