تتبع الباحثة الأميركية، من أصل إيراني، لاله خليلي في كتابها الجديد Sinews of War and Trade: Shipping and Capitalism in the Arabian Peninsula (أوتار الحرب والتجارة: الشحن والرأسمالية في شبه الجزيرة العربية ــــ Verso Books) أثر التحولات التي طرأت على المملكة بعد اكتشاف النفط، وبناء الموانئ الضخمة، ونشوء شركات الشحن البحري لنقل النفط واستقبال البضائع بما يشبه طريق حرير آخر بين الصين «مصنع العالم»، وشبه الجزيرة العربية، وتالياً فحص خرائط التجارة العالمية والبنى التحتية البحرية التي تطوّرت استجابةً لـ«تدويل رأس المال وتسليع النفط، كأوضح تقطير لكيفية عمل الرأسمالية اليوم».
آلة لحفر آبار النفط في الربع الخالي (حوالى عام 1955 ــ ايفنز/ سترينغر)

هذه الحركة التبادلية عملت على هندسة البيئة المعيشية، بتحويل «السمات الطبيعية للعالم إلى سمات قانونية، وخلق مساحات وهياكل وبنى تحتية جديدة تهدف إلى تراكم وتداول رأس المال من دون احتكاك، ما أدى إلى نوعٍ من الأوثان المالية، مقابل تسلسلات هرمية عنصرية للعمل». اعتمدت لاله خليلي في تحرير كتابها على سجلات مكتب الهند، وأرشيفَي المتحف البحري البريطاني، وشركة البترول البريطانية، بالإضافة إلى الصحف والمجلات والمذكّرات والروايات، والرحلات الميدانية التي قامت بها أستاذة السياسة الدولية في «جامعة كوين ماري» اللندنية، بصحبة سفن الحاويات إلى نقاط الشحن في شبه الجزيرة العربية. سنقع على شذرات من رواية «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف، تلك التي رصد فيها بداية عمل شركات البترول في السعودية، وريبة «متعب الهذال» إحدى شخصيات الرواية، من اللعنة القادمة، ما جعله يختفي في الصحراء. كما تستشهد برواية «موبي ديك» لهيرمان ميلفل، في إشارة إلى حيتان المال، وبعبارة للشاعر ديريك والكوت «البحر هو التاريخ». هكذا حلّت ثقافة سفن الشحن وناقلات النفط والمدن الجديدة، والقواعد العسكرية، بدلاً من ثقافة المراكب الشراعية والصيد بما يشبه الزلزال للقيم البدوية الراسخة. على المقلب الآخر، ترصد الباحثة الحياة اليومية للبحّارة وعمّال الموانئ والقراصنة التي لا تخلو من عنف ووحدة وقرصنة واستغلال، فهناك حياة موازية تنطوي على عبودية ونظام سخرة يذهب ضحيته مئات العمّال سنوياً، ومضاربات مالية، وتهريب ممنوعات، وموانئ غير شرعية يستخدمها أمراء الحروب لتمرير صفقات سريّة تتعلّق بالأسلحة أو المخدّرات، وسفن غامضة تضع أعلام بلدانٍ أخرى للعبور الآمن.
لا يفترق هذا الكتاب في منهجيته عن كتب لاله خليلي الأخرى، لجهة العناية بما يحدث في الظل من أعمال قسوة وتعذيب وخداع، كما في «أبطال وشهداء» (2007) عن مكابدات الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، و«زمن الظلال: الحبس في مكافحة التمرّد» (2013) عن الحرب الأميركية على الإرهاب، إذ تقتفي أثر قصص السجون والمعتقلات والتعذيب كفضيحة معلنة في هدر الحقوق السياسية وسلوكيات الهيمنة الاستعمارية. في تغريدة أخيرة لها على تويتر، علّقت لاله خليلي عن كارثة مرفئ بيروت قائلة: «ترجع جذور الكارثة إلى شبكة عالمية من رأس المال البحري والخداع القانوني المصمّمة لحماية الشركات بأي ثمن».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا