«أنت معنى الكون كلّه» [النفري]
أنتِ، تفسيرٌ آخر للوردة،
ثم ماذا؟
حلم يتكسر كلما اقتربت منه الطفولة
يحتضر من كلمة
ويودّ أن يموت الغيم من أغنية
كالوقت، ليكن الرماد أهداب ما تبعثر في عروقكِ، هكذا رتّب الأنين حضوره، عارفاً أن الخسارات موعد الصدى
الذي لم يتجاوز ما أمهره الدمع، من حجر، وثوب، وما تأخر عن الجرح من أنفاس عميقة، ظلالها لغة فاتها المدح والنشوة، سعة ما يتمكن الضجر من حمل الغياب، يتعب به الأماكن، يجعلها تضيق كالهبة، وما تمنحه الأرض من نوادر
ليكن هذا فائض ما ورثتِه من معاجم الألم، هكذا تشبهين الغسق.
■ ■ ■
الصمت لم يكن هناك، عندما تجاوز الهمس آياتكِ، الفراغ وحده من أبصر كل شيء، الفراغ الذي يعيش السكينة، يعرف الموت، والقبعات، والخوذ، والمهرجين
الذين يُتعبون الأيام بحلقاتهم النارية من أجل الحزن وحده، لكنه عالياً، فتبقى ابتساماتهم جامدة، وكأن عضلاتهم حجر، هذا ما يوقد النار، ما يُبقي الرماد في القلوب، تذكار جيد لمن يشتهي الرحيل دون تلف.
■ ■ ■
الصمت الذي يعيش الخوف من عريكِ، يخاف أن يبلّله الظلام أكثر.
■ ■ ■
هذه الخطوات
هذا الحبر من اليقين
احتفاء إلهي بالعجب الذي لم يكن معجزة، وإن قيل عنه معجزة.
■ ■ ■
العلامة الفارقة، أنكِ مألوفة في السماء، مجهولة في الأرض، أزيزُ النحل يشار إليه أكثر منكِ، وأنتِ كلغةٍ أولى للفجر، تعرفكِ الصحراء بداية للضوء المدعو أن ينزل كالدموع على ترابها.
■ ■ ■
الغناء الذي هو ملامح الغائب، وتفاصيل ذاكرة، ينمو من خيال صعب، خيال وردة، الوردة كفكرة كونية، معنية بتفاصيلك أكثر، هي تعرف أن الارتباط بينكما غير مجهول.
■ ■ ■
ليس هذا بيتاً للأبد
عندما تعرف أن الوردة ترحل بلا «وداعاً»
بل تذبل
هذا النعي لغة مجهولة، تتمزق بالرثّ من قسوتنا البسيطة
هذا العمر الجمالي الصغير، سليطٌ في معناه،
ثم ماذا؟
هل عرف الشاعر ذلك
حتى وإن عرف
هل أشار إلى ظلال الذهب
المتروك من ذبول الوردة، من مصرعها مع المزاجات الزمنية
هذه القوة، تجعلها تبقى حتى وهي ميتة، وفكرة رحيلها مجاز، وفكرة حضورها مجاز أكبر.
■ ■ ■
الوردة بلاغة اليقين
ومسيح النباتات
■ ■ ■
ما وزن الوردة؟
البراءة، الهواء، العشق، والدموع
أم قبلات الغائب؟
■ ■ ■
المفارقة، أنكِ الآن تبحثين عن الوحدة، في غرفة مليئة بكتب الشعر، لا أعرف كيف صدقتِ ذلك.
■ ■ ■
الشعر، بكاء ذو نشوة، يتشابه والوردة.
■ ■ ■
المرآة التي عكست الوردة، ظلت حزينة.
■ ■ ■
أنا ذاهب إلى المنزل، لأثقل الغرف بحضوري، لأثقل الوحدة أيضاً، الغرف التي لم تعرف يوماً ما الوردة، ظلت مكاناً لا يرى الفجر، ظل وكأنه مستحيل، النوافذ كانت تعرف ذلك، لكنها لم تتعرَّ يوماً، مفقودة الجهات من الهلع، من التورط بالظلام كل هذه المدة، ولها غلظة الأشباح، وعبوس الجدات، ولأن لا أحد يؤرخ للبيوت المهجورة مثل الجرذان، أثقلت الغبار بخطواتها المتروكة، لكن في النهاية لا أحد يترك سيرته وهو مليء بالصمت والظلام.
■ ■ ■
الوردة في يد الشاعر، مكسوّة باللغة.
■ ■ ■
المطر
صدفة الشوارع الجميلة
التي لم يعد لها عشبٌ، وورد،
المطر، يظل صدفة صادقة فقط.
■ ■ ■
الذبول منفى الوردة الأبدي.
■ ■ ■
الوردة أرملة السماء
لم ينتظرها في الأرض غير الذبول، قبلها الساحات، والشرفات، والنساء اللواتي غرن
كانت صيداً طازجاً من أجل الفخاريات
تكتمل الطاولة
تصبح في البيت سمكة أخرى، تموت بسرعة.
■ ■ ■
لمَ لم أنتظر النهاية جيداً
أمام المسميات الكثيرة، والذلّ الكبير، والقتلة
كالمرايا،
إن لم أكن قادراً
كالوردة وميراثها من الذبول.
(*) قصيدة من ديوان «تنغيم الوردة»، الصادر حديثاً عن «دار سطور»، بغداد.