قائمة بلاد الضحايا تطول: سوريا، العراق، ليبيا، الكونغو الديمقراطية، إفريقيا الوسطى، نيامار، بنغلاديش، كوريا، الأرجنتين، البوسنة، رواندا... لكن في «أجسادنا ساحات معاركهم: أثر الحرب في النساء» (william collins 2020)، قامت الكاتبة كريستينا لامب، وهي مراسلة لصحيفة «صنداي تايمز»، بتقصير تقصّيها على البلاد التي عملت فيها مراسلة حربية للجريدة اللندنية. هكذا، قدمت عروضاً صادمة عن عذابات النسوة في خمسة عشر فصلاً تحكي عن وحشية الحروب ووحشية المشاركين فيها، خصوصاً عندما يحيلون أجساد النساء إلى ساحة معارك ويجعلون من أعضائهم الجنسية سلاحاً للحطّ من قدر الضحايا وإذلالهم. توضح الكاتبة أن الجيوش النظامية والإرهابيين والمليشيات على السواء، يلجأون إلى الاغتصاب سلاحاً لإذلال العدو وتسريع التطهير العرقي. في حديثها مع الناجيات مباشرة، تواجه الكاتبة معاناة النساء في الحرب وشجاعتهن؛ من جنوب شرقي آسيا حيث استعبد اليابانيون «نساء المتعة» الكوريات خلال الحرب العالمية الثانية، إلى الإبادة الجماعية في رواندا حيث اغتُصب ما يقدر بنحو ربع مليون امرأة، إلى النساء والأطفال الإيزيديين الذين شهدوا قطعان «داعش» القتلة وهم يمارسون الإبادة الجماعية بحق عائلاتهم.الروايات والمقابلات في هذا المؤلّف المؤلم، تكشف عن قصص بطولية ومقاومة لا تصدّق، بمن في ذلك النساء البوسنيات اللواتي طاردن أكثر من مئة من مجرمي تلك الحرب العبثية. أوضحت الكاتبة في مطلع مؤلفها المهم والمؤلم بما لا يقاس أنّ الاغتصاب «أرخص سلاح معروف للإنسان»، وتذكر بأنه سلاح يتم التشجيع على استخدامه في كتب دينية كما يرد في سفر التثنية 21: 10-14 الذي يبارك الجنود الذين يجدون «امرأة جميلة» بين الأسرى المختطفين في المعركة. ويقول: إذا كنت ترغب في أخذها فيمكنك ذلك، دوماً وفق كلمات الكاتبة. لذلك، فإنها تعبّر عن انزعاجها من رؤية تماثيل للأبطال العسكريين في المحطات وساحات المدن وأسماء أولئك الذين قاتلوا في معركة في مؤلفات التاريخ. أما أولئك الذين عانوا، ومعظهم فعلوا ذلك بصمت، فغير مذكورين [في هذه الأوقات التي يطيح المتظاهرون في الغرب بتماثيل تجار العبيد وممثلي العنصرية البغيضة، فقد يتنبهون إلى الأمر ويبدأون بالإطاحة بتماثيل «أبطال» حروب الغرب الاستعمارية. لكن الكاتبة تجاهلت هذا الأمر وأبدت انزعاجها من اغتصاب جند أترك للورنس - ز م).
تشير المؤلفة إلى أنّ كتباً دينية تشجّع على استخدام الاغتصاب!


في هذا المؤلف، نلتقي منيرة من الروهينجا التي اغتصبها خمسة جنود بورميين في تتابع سريع، ثم تمت مواجهتها بعد محنتها تلك برؤية جثة ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات الذي أصيب برصاصة في ظهره وهو يركض نحوها. والقارئ يصادف طفلاً في الخامسة من عمره في جمهورية الكونغو الديمقراطية تعرّض للاغتصاب، كان يكرّر أن ما جرى لهم «لأن ماما لم تغلق الباب بشكل صحيح». ونلتقي إستير ياكوبو، التي اختطفت بوكو حرام في نيجيريا ابنتها المراهقة دوركاس في عام 2014، وكذلك فيكتوار وصرفينا وهما شقيقتان من التوتسي تتحدثان عن تجاربهما في أثناء الإبادة الجماعية في رواندا وبعدها حيث قتل 800000 في 100 يوم من عام 1994.
لقد استُخدم اغتصاب الإناث والذكور أيضاً أداة للخوف والترهيب، وأسلوباً لتدمير المجتمعات، لكن أيضاً لخلق روابط بشعة من التضامن والثقة والولاء بين الجنود والشباب. تركز الكاتبة على ضحايا العنف الجنسي بحق الإناث رغم إدراكها أن العنف الجنسي بحق الذكور يمثل مشكلة، وتشير إلى أن بعض التقديرات تقول إن ما يقرب من ربع الرجال في المناطق المتضررة من النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية قد تعرضوا للعنف الجنسي.
توضح الكاتبة أن لا أحد في مأمن؛ فأفراد المجتمعات التي اعتادت على تناول المشروبات معاً والاحتفال بأعياد ميلاد أطفال وإنجازاتهم تنقلب وتنقض على زوجات أصدقائهم وجيرانهم وبناتهم وشقيقاتهم في عربدة عنف وحشي. في كثير من الحالات، يتم ارتكاب الاغتصاب على نحو منهجي ومتعمّد كما هي الحال في الحرب في البوسنة. إذ ذكر أحد تقارير المجلس الأوروبي أنه تم استخدامه «بطرق سادية على نحو خاص لإلحاق أقصى قدر من الإذلال بالضحايا وأسرهم وعلى المجتمع كله». والأمر نفسه كان قد حصل في بنغلاديش عام 1971 وفي الأرجنتين إبان حكم العسكر. هذا المؤلف المؤلم لا يبرز فقط كيف تم إخراج النساء من التاريخ، وإنما كيف تم تجاهل معاناة ضحايا الاغتصاب وإدامتها ما يسمح باستمرار الأمور نفسها، الأشياء التي تحدث مراراً وتكراراً حول العالم.

* Our Bodies, Their Battlefield - What war does to women. william collins (2020). 432 pages. christina lamb